صنائع المعروف تقي مصارع السوء

صنائع المعروف تقي مصارع السوء

يُذكر أن رجلًا يُسمى "ابن جدعان" تصدّق بأحبّ ماله إليه، وكانت ناقة، فأعطاها لِجارٍ فقير الحال له سبع بنات.
فرِح الجار الفقير، وكان يشرب هو وبناته من لبنها.
ولمّا جاء الصيف بجفافه وقحطه وتشققت الأرض، خرج ابن جدعان مع البدو يرتحلون يبحثون عن الماء والكلأ.
دخل في أحد الدحول، وهي حُفر في الأرض تؤدي إلى خزانات مائية، ليحضر الماء حتى يشرب، وكان أولاده الثلاثة خارج الدحل ينتظرونه.
لكنه ضاع داخل الدحل، ولم يعرف كيف يخرج.
انتظر أبناؤه يومًا ويومين وثلاثة، حتى يئسوا، وقالوا: لعلّ ثعبانًا لدغه فمات، أو أنه تاه تحت الأرض وهلك.
فعادوا إلى البيت، وقسّموا الميراث.
فقام أوسطهم وقال: أتتذكرون ناقة أبينا التي أعطاها لِجارنا؟ إنّ جارنا هذا لا يستحقها.
فأخذوا بعيرًا أجرب ليعطوه للجار بدل الناقة، وقالوا له: أعد لنا الناقة، فهذا خير لك، وخذ هذا الجمل.
فقال الجار: إنّ أباكم أهداها لي، وأنا أتعشّى وأتغدّى من لبنها، فقد قال النبي: "اللبن يُغني عن الطعام والشراب".
قالوا: أعد الناقة وخذ الجمل.
قال: أشكُوكم إلى أبيكم.
قالوا: فإنه قد مات.
قال: مات؟! كيف مات ولِمَ لا أدري؟
قالوا: دخل دَحلًا في الصحراء ولم يخرج.
قال: خذوني إلى هذا الدحل، ثم افعلوا بالناقة ما شئتم، ولا حاجة لي بجملكم.
فذهبوا به إلى المكان الذي دخل فيه صاحبه الوفي.
فأحضر حبلًا وشُعلة نار، ونزل يزحف في الدحل حتى وصل إلى مكان لا يمكن السير فيه إلا حبوًا،
فإذا به يسمع أنينًا خافتًا.
مدّ يده، فإذا هو بابن جدعان حيّ يتنفس بعد أسبوع من الضياع!
حمله خارج الدحل، وأعطاه تمرًا وسقاه ماءً، ثم حمله على ظهره وأعاده إلى داره، فدبّت فيه الحياة من جديد، وأولاده لا يعلمون شيئًا.
قال له الجار: أخبرني بالله عليك، أسبوعًا كاملًا تحت الأرض ولم تمت؟
قال ابن جدعان: سأحدثك حديثًا عجبًا.
بعد ثلاثة أيام، فقدت الأمل وسلّمت أمري إلى الله، وإذا بي أشعر بلبنٍ يتدفّق على لساني، فاعتدلت،
فإذا بإنائي في الظلام أراه يقترب من فمي، فأرتوي، ثم يذهب.
وكان ذلك يحدث ثلاث مرات في اليوم، لكنه انقطع منذ يومين، ولا أعلم ما السبب.
قال له الجار: لو علمت سبب انقطاعه، لتعجّبت أكثر!
إنّ أولادك ظنّوا أنك مت، فأخذوا الناقة التي كان يسقيك الله من لبنها!
وصدق القائل: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء، والمسلم في ظلّ صدقته".
فاللهم اجعل صدقاتنا سببًا في نجاتنا ورفعتنا، واغفر لنا ذنوبنا.

ساعد في النشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك

المصدر: منتديات حبة البركة - من قسم: مواضيع إسلامية عامة