يعشقون البلاغة والبيان عشقهم للغِيد الحِسان

يعشقون البلاغة والبيان عشقهم للغِيد الحِسان

العرب أمّة شاعرة.. وهم يعشقون البلاغة والبيان كما يعشقون الغِيد الحسان بالحلال.. تبهرهم البلاغة ويسحرهم البيان..

والعرب أمة أصيلة نبيلة تغنوا كثيراً بمكارم الأخلاق وحسن المنطق وحلاوة اللسان ..

وقبل أن تظهر كُتب البلاغة، أو تُعرف قواعدها وأقسامها، أو يوجد مختصون فيها، من علماء ونقاد وضعوا لها أوصافاً وصنعوا لها قواعد، كان العرب يُبحرون في نهور البلاغة كما تبحر الأسماك في البحور، والأفلاك في السماء ..

بل إن علماء البلاغة والمختصين فيها، ونُقّادها وواصفيها، استمدوا كل ذلك من الإبداع العربي، شعراً ونثراً، ولم يستطيعوا له حصرا ..

وقد ورد في الحديث الشريف:

(إنّ من الشعر حكمة، وإنّ من البيان سحرا..).

والبلاغة مضيئة في الإبداع العربي إضاءة النجوم في السماء .. والبيان مشرق في اللسان العربي إشراق الشمس في رابعة النهار ..

ومع أن الشعر (ديوان الشعب) وسجل مآثرهم وسِفْرُ تاريخهم وأيامهم ومفاخرهم، إلّا أنّ قمة البلاغة والإعجاز في القرآن الكريم، الذي نزل بلسان عربيّ مبين، فكان فوق -أنه نور من الظلمات وهداية من الضلال وترسيخاً لمكارم الأخلاق وشفاءٌ للصدور - آية في البلاغة والبيان، أعجزت الجن والإنس أن يأتوا بآية من مثله .. وفي الحديث الشريف منتهى البلاغة - فقد أُوتي الرسول صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم..

والبلاغة توجد في الشعر والنثر كما قلنا، فالخطابة المؤثرة روحها البلاغة التي ينطق بها الخطيب، فتأخذ بألباب السامعين، وتؤثر في جموع الحاضرين، وتُغيِّر مجرى الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على مرّ العصور..

وكما توجد البلاغة في الشعر الفصيح، توجد أيضاً في الشعر الشعبي، فإن البلاغة صفة كالكرم والشجاعة توجد في المتعلم والأمّي .. ثم إن الشعر الشعبي تلميذ نجيب للشعر الفصيح، لكن الفصاحة، وهي الالتزام بقواعد النمو والصرف، لا توجد في الشعر الشعبي، بل تقتصر على الشعر الفصيح، ومع أن في بعضه شذوذاً، وله عدة لهجات، حتى سادت لغة قريش ..

أما البلاغة فهي قاسم مشترك موجود في الشعر شعبيه وفصيحه، وفي الأمثال والحكم بمختلف اللهجات، والآن نقدم نماذج من البلاغة لن يخفى جمالها وبيانها على القارئ الكريم ..

(..أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) قال أعرابي حين سمعها: من بقي له شيء فليأخذه!

(إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت) حديث شريف

(حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ) حديث شريف

(إني أرى رؤوساً أينعت وقد حان قطافها، وإني لصاحبها، وإني لأرى الدم يترقرق بين العمائم واللحى).

(الحجاج الثقفي)

فإنكَ شمسٌ، والملوكُ كواكبٌ

إذا طلعتْ لم يبدُ منهنّ كوكبُ

(النابغة الذبياني)

رَماني الدّهرُ بالأرزاءِ حتى

فُؤادي في غِشاءٍ مِنْ نِبالِ

فَصِرْتُ إذا أصابَتْني سِهامٌ

تكَسّرَتِ النّصالُ على النّصالِ

(المتنبي)

مضى طاهرَ الأثوابِ لم تبقَ روضة ٌ

غداةَ ثوى إلا اشتهتْ أنَّها قبرُ

(أبو تمام)

يجفل الى زول من الحزم زيلان

ما يدركه بالمشى رقط الجناحِ

يشدى قطات طالعت حوم عقبان

صرّت وصاعتها هبوب الرياحِ

ابن السبيل في وصف جواد بأنه يشدي - يشبه قطاة لحقها عقاب فصرت (شدت ضلوعها قوةً) وصاعتها - ضربتها رياح قوية تساعدها على السرعة كأنها طيارة نفاثة!

ومواصيل بارقاب القنا كنْ وصفها

الاسن سلق متعبتها طرودها

راكان بن حثلين (شبه رماح قومه في سرعة انطلاقها وعودتها بتشبيه مبتكر، وهو ألسن السلق التي أضناها الطرد فهي سريعة الدخول والخروج ..

ويقول ابن كلثوم:

فَأَعْرَضَتِ اليَمَامَةُ وَاشْمَخَـرَّتْ

كَأَسْيَـافٍ بِأَيْـدِي مُصْلِتِيْنَـا

ويقاربه قول راكان بن حثلين:

وخشوم طويق فوقنا كن وصفها

صقيل السيوف اللي تجدد جرودها

ساعد في النشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك

المصدر: منتديات حبة البركة - من قسم: ثقاقة عامة وشعر