مواضيع إسلامية عامة أدعية وأحاديث ومعلومات دينية مفيدة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
06-21-2013, 10:54 AM | #1 | |||||||||||||
شكراً: 3,440
تم شكره 3,571 مرة في 1,078 مشاركة
|
أقام الله الدنيا على قانون مغايرٍ لقانون الآخرة، فالآخرة نعيمها ذاتيٌّ، لايختلف باختلاف الزمان والمكان، ولا يتوقَّف على وجود مؤثِّرٍ خارجي، فلذَّةُ الماء البارد لا تتوقَّف على وجود العطش، فالنعيم الذي يجده أهلُ الجنَّة نعيمٌ حقيقي، والوصول إلى اللذة والأنس والنعيم هو السعادة التي يتطلُّع إليها كلُّ بني آدم، والتي يعرِّفها علماء الأصول بأنها وصول النفس إلى لذَّتها، بتحصيل ما يلائمُها طبعاً، فلا مللَ في الآخرة، أما الدنيا فالسعادة فيها اعتبارية، فنعيمها متوقِّفٌ على مؤثِّرٍ خارجي، من وجود جوعٍ أو عطش أو ألمٍ أو غير ذلك، فحقيقة لذتها فَقْد نعمةٍ من النِّعم، فلذَّةُ أطايب الطعام سببها اشتداد الجوع، ولذَّةُ الأمن يعرفه من رأى الخوف وعاش ويلاتَه، ولذَّةُ الراحة تحلو بعد اشتداد التعب، وهكذ الشأن في كلِّ لذَّة، وقد قال البحتري: فَلَولا البَعدُ ما حُـمـِدَ التَداني *** وَلَولا البَينُ ما طابَ التَلاقي، ومثله: فَلَو فَهِمَ النَاسُ التَلاقِي وَحُسنَهُ *** لَحُبِّبَ مِن أَجلِ التَلاقي التَفَرُّقُ، فالشأن في الدنيا أنها مطبوعةٌ على التضادِّ في جميع أحوالها والتبدُّل في سائر أوضاعها، وهذا هو سبب جمالِها، وسرُّ ظهور الحُسْنِ والقُبْحِ فيها، فالأمر كما قيل: فالضدُّ يُظهر حُسْنَه الضدُّ، ولو استمرَّتْ متع الدنيا كالرِّيِّ والشبعِ وغيرها، لما وَجد الإنسانُ لذَّةً للشرب ولا طعما للأكل، ولما طابَتْ وَثارةٌ في الفُرُش، بل لَـمَلَّ المرءُ وضَجِر، وهكذا جعل اللهُ الإنسانَ في الدنيا متقلِّباً بين ابتلاءاتٍ من الخوف والجوع وغيرها، فقانون الدنيا كما قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ) ولهذا المعنى تفسير طويل الذيل، غير أن ما يهمنا في هذا المقال هو أن من حكمة الله تعالى في الكون أنْ أَحْوَج الإنسانَ إليه بهذه التقلُّبات، من أجلِ أنْ يلجأ إليه لجوء المحتاج المضطر، ليشهَد قَهْرَ الله في المنْع، كما شهِدَ برَّه في العطاء، فابنُ آدم في احتياجٍ دائم، فيجدُ في نفسه داعيةً تضطرُّه للجوء إلى أحدٍ يتوجَّه إليه، ليستجيب دعوته فيقضي حاجته، ويرفع عنه شدَّته ويزيل عنه ما أهمَّه، فهذا الطلب لرفع الاحتياج تسمِّيه العربُ دعاءً، والأصل فيه أنْ يكون طلبَ مستغيثٍ مضطر، أي على سبيل الاضطرار، والداعي حين يريد بيانَ اضطرارِه فإنه يَشفعُ دعاءَه بالتَّذلُّلِ والخضوعٍ والإخبات، فينكسرُ أمام المدعوِّ مُظهِراً للفاقة والاحتياج، لا أن يَظهر بمظهر الاستغناء، وإلى هذا المعنى أشار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بقوله: (إذا دعا أحدُكم فلْيَعْزِم المسألة، ولا يقولنَّ اللهم إن شئت فأعطني) فإنَّه إنْ قال "إن شئت" فكأنه يشير إلى أنه مستغنٍ غير مضطرٍ ولا محتاج، وفي هذا نوع استكبار، ذلك أن المحتاج المضطر يعْزم في مسألته ويلازم الإلحاح الشديد، ومن رحمة الله بعباده أنه لم يتركهم للضياع، بل ساقهم إليه سوقاً بسوط الاحتياج والاضطرار، كما يسوق الأبُ الحاني ولدَه إليه ليحميه عن الوقوع فيما يضرُّه، ومن مزيد فضله سبحانه أنْ ضمن لمن دعاه الإجابة فقال: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) والكريم إذا أعطى يُعطي العطية في أبلغ معانيها، لا أنْ يهب صورةَ ما طُلب منه، فوعْدُ الله أوسعُ من أن ينحصر في صورة واحدة، فَمِن جهل الداعي أن يكون قلبُه منجذبا إلى واقعه غافلاً من شدَّة حاجته، كغفلة الطفل حين يطلب من أبيه شيئاً، ويكون أعمى عما يحتفُّ بهذا الطلب، فلا يرى إلا صورةَ مَطْلبه، ولذلك تراه يستشكل ويقول: وما ليَ أدعو فلا يُستجابُ لي، وماليَ أُلحُّ في الدعاء ولا أرى دلائل الإجابة، وحلُّ هذا الإشكال أنْ نعلم أنَّ الدعاء في حقيقته عبوديَّةٌ كما يقول العارفون، بل هو مخُّ العبادة كما قال عليه الصلاة والسلام، وحقيقة العبادة إظهار الفقر والفاقة بين يدي الله تعالى، فمن أعظم ما يتقرَّب به العبد إلى الله إظهار الفقر إليه، وكان من دعاء الصالحين: ( اللهم إني أتوسُّل إليك بفقري إليك) فالدعاءُ لا يكون دعاءً إلا إذا اشتمل على عدَّة أمور، منها أنْ يصدق الداعي في دعوته فيدعو بحضور قلب، فإن مَن يدعو وهو غيرُ حاضر القلب لَـمْ يدْعُ، لأنه لا يخاطب مَن يزعم أنه يدعوه.. ومن آداب الدعاء ألا يشتمل على إثم ولا يكون الداعي متلبِّسا بمعصية، ففي الحديث: (يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم) فإن مَن يدعو بإثم أو يدعو وهو واقعٌ في ذنبٍ مصرٌّ عليه، فشأنه شأن المستهزئ بمن يدعوه، ومنها أنْ يثق الداعي بوعد الله له، فلا يشكَّ في الوعد وإن لم يجد الإجابة، وهو ما أشار إليه ابنُ عطاء الله السكندريُّ بقوله: (لا يكنْ تأخُّرُ أَمَدُ العطاء مع الإلحاح في الدعاء موجباً ليأسك، فهو ضمن لك الإجابة فيما يختارُه لك، لا فيما تختاره لنفسك، وفي الوقت الذي يريد، لا في الوقت الذي تريد) فإنه سبحانه أدرى بما يَصلح لك منك، فربما طلبتَ شيئاً، وكان الأولى مَنْعُه عنك، لطفاً منه سبحانه بك، فيصير المنعُ منه عينَ العطاء لك، فلا يجوز اتهام الله في وعده، يعرف ذلك مَن تَحَقَّقَ بمقام قوله تعالى: (وَعَسى أن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) ومنها ألا يستعجل فقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (يستجاب لأحدكم ما لم يَعْجَل، فيقول قد دعوتُ فلم يُستجب لي) ذلك أنَّ عدم الاستعجال أولى بالعبيد، وهو عنوان الرِّضا، فإنَّ مَن تحقَّق بالرضا بالقضاء تحصل له السكينة والطمأنينة، والعجلة لا تجتمع مع السكينة، وقد قال الله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام: (قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) أي لا تستعجلا وعدي الذي لا تبدُّل فيه ولا خُلْف، ذلك أن الله إذا أطلق لسانك بالدعاء فاعلم أنه أراد أن يعطيك، فمن أُعطي الدعاء لم يُحرم الإجابة، فلا تحرص ولا تستعجل فكل شيء عندَه بمقدار، فكفى بك شرفاً أن تدعوه فيجيبك، ويختار لك الأولى والأصلح في العاجل والآجل، فالاستعجال سبيلُ الذين لا يعلمون حقيقة وَعْدِه سبحانه، لأنه سبحانه حين وعدَ جعل وعْدَه مطلقاً، ولم يقُل بعين ما طلبت، ولا متى شئتَ، ولا كيفما أردتَ، وقد نبَّه إلى هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (إما أنْ يعجِّل له دعوته، وإما أن يدَّخرها في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها) فاختيار عين الإجابة جعله اللهُ موكولاً إليه وكذلك اختيار وقْتها، فمن الحكمة في ذلك أن الكريم حين يسألُه مَن يعزُّ عليه فإنه يعطيه أفضل ما يعلمه له، فحِكَمُهُ سبحانه في عطاياه لا تنقضي ومِننُه لا تتناهى، فيختار له العطية لتصل إليه في أنسب الأوقات، وعلى أكمل وجهٍ وأتمِّه، فَمِن الرفق بالعبد ألا تُقصر إجابةُ دعائه بعين ما طَلَب، لأن العبد جاهلٌ بالأصلح له، ومن الحكمة في ذلك ألا يكون في الإجابة ما يُفيد التحكُّم على الله، فالأقوى لمقام الربوبية يقتضي تنويعَ صور الإجابة، ومن الحكمة في التكليف بالدعاء أن تتجلَّى صفةُ العبودية في الداعي، فتظهر عليه دلائل الاضطرار، فإذا كانت الإجابةُ حتماً بعين ما طلب، وفي الوقت الذي طلب، لَمَا ظهر من العبد اضطرارٌ ولا فاقة، وهذا منافٍ لحكمة التكليف بالدعاء، قال بعض العارفين: فائدةُ الدعاء: إظهار الفاقة بين يديه، وإلا فالربُّ يفعل ما يشاء، وآية ذلك أن عنايته سبحانه قد واجهتْنا، ورعايتُه قابَلَتْنا ونحن في عالم الذرِّ قبل أن نعرف كيف ندعو، فتولانا بتدبيره في جميع أطوارنا، فكان الأَولى بنا أن نتحقق بالأدب معه والهيبة له، لنبلغ مقامات الرجال، لا أن نبقى بمنزلة الصِّغار، فأشرفُ أوقاتنا وقتٌ نشهد فيه وجودَ فاقتنا، ونُردُّ فيه إلى وجود ضعفنا، لِما في ذلك من تحقيق العبودية لله وتعظيم شأن ربوبيته، فالتحقُّق بالعبودية مقامٌ عظيم، فأشرف أسمائك يا ابن آدم اسمٌ أضافك إلى مولاك ونسبك إليه، ولذلك خاطب الله أشرف أنبيائه بذلك تشريفاً «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً » « فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى » أسأل الله أن يرزقنا الفهم عنه فلا نيأس من الإجابة، وألا يجعلنا ممن جَهِلَ كرم مولاه وقيل فيه: اقضوا حاجته فإني أكره أن أسمع صوته، فإن مَن عرف الله لم ييأس منه في بلاء، بل سَيُلِحُّ في الدعاء، وسيترك اختيارَه لاختيار مولاه. دمتم بخير ساعد في النشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك المصدر: منتديات حبة البركة - من قسم: مواضيع إسلامية عامة |
|||||||||||||
اللهم فرج كرب المكروبين اللهم فرج هم المهمومين اللهم اشفي مرضانا ومرضى المسلمين اللهم آمين يارب العالمين نسيت الحزن ... شوقاً للغد الأفضل إذا أردت أن تعـيش سعيـداً فـلا تحـلل كـل شـي فـإن الـذيـن حـللـو الألـمـاس وجـــدوه فـحـمـاً
|
2 أعضاء قالوا شكراً لـ محمد على المشاركة المفيدة: |
06-21-2013, 12:17 PM | #2 |
|
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
|
لنا ما يكتبه الله وكل ما يكتبه جميل
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ هنيدة على المشاركة المفيدة: |
06-21-2013, 11:45 PM | #3 | |||||||||||||
شكراً: 9,478
تم شكره 17,570 مرة في 8,937 مشاركة
|
بارك الله فيك أخي الفاضل
جزاك الله خيرا و الله يكتبلنا جميعا ما هو خير لنا اللهم آمين |
|||||||||||||
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ مجموعة انسان على المشاركة المفيدة: |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|