قــــال السفيـــه : يا صاحب النبرات والكلمات إلى متى وأنت تمتطي سروج المثالية والكمال .. تتعمد الوعظ والإرشاد ثم تبالغ في المقال .. وهذا العصر متسارع في خطواته ولا يعرف الإمهال .. وتلك السروج قيود تمنع المتعة والإمتاع والابتذال .. والكيس من يدرك أن الأعمار لحظات وثواني ثم ترحل في خبر كان .. فيقال حينها ناصح أهدر العمر في متاهات الجدل والإرشاد وغيره قد نال المنال .. وأنا ماهر عقل وفطنة أتصيد الحياة عند كل زاوية متاحة ومجال .. لا أهدر العمر في الهراء حيث القيل والقال ..
فأجابه الفقيـــــه : يا هذا لا تغترر بتنعم وأعلم بأن الحيــــاة تزول .. وإذا حملت إلى القبور جنازة فأعلم بأنك بعده محمول .. وكم من راكض خلف المتاع والملذات ثم لا يكتفي بالإشباع ! .. فإذا نال فاضحة من الملذات تطالبه النفس بالمزيد من العطاء .. فهو كالظمآن في عمق الصحراء كلما يشرب من ماء السراب لا يكف بالارتواء .. فيظل في عالم التيه والضلال حتى تتجلى لحظة الفناء ،، وأراك ناصحي لارتياد الهوى وأن أنصحك بشريعة الأنبياء .
تلك الصورة النمطية لفلسفة تتساءل دائماً هل الحياة جوهر أم مظهر ؟ .. أنفس تخوض في مجاهل الحياة فهي في حيرة الدربين .. ومعارك تدور بين الشر والخير منذ الأزل .. فيا عجبا من زارع يجتهد في بذور الخير طوال العمر وقد لا يذوق حلاوة الحصاد ! .. ويا عجباً من حاصد يحصد المتاع بنهم طوال العمر وقد لا يشبع بكثرة الاجتهاد .. صورة نمطية .. خلائق في عالم البشر تجتهد الأعمار في تقويم الاعوجاج .. ثم ترحل عن الدنيا وهي تشتكي من عدم الانصياع ! .. وخلائق من البشر تعيث في الأرض فساداً ثم ترحل عن الدنيا وهي تشتكي من قلة الاستمتاع !.. فالناصح الأمين لو كان يملك الخيار لأزال عن الكون مظاهر الهفوات والعثرات .. والمتلهف المغرور لو كان يملك الخيار لعمر الأرض بالشهوات والملذات .. ولكن تلك هي سنة الحياة حيث تتواجد المنقصات بجانب المسرات .. لا تنتهي بنصح ناصح ينصح العمر .. ولا تنتهي بفساد فاسد يفسد العمر .. وفي نهاية المطاف يلتقي الجميع عند مشارف تلك الحفر .. فيا أيها القادم إلى ساحة القبر كم كان لك نصيب من الدنيا وكم كان لك نصيب من الآخرة ؟ .. ولقد ولت مراحل الأعمال والأفعال وجاءت مراحل الحساب والعقاب .. حاصد قد نال كفايته من متاع الدنيا وزاهد قد أرجأ أحظه لمتاع الجنان .. وتلك عدالة السماء تقع بمعيار القسط ولا تعرف الخلل في الميزان .. فمن هو الأحق بالنصح ؟؟ .. هل هو ذلك الولهان الذي يمتطي سروج الغفلة والضلال .. أم هو ذلك الواعظ السالك الذي يخشى بوائق الزلزال ؟
ساعد في النشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك