يقول تعالى مخبراً أنه وهب لداود سليمان أي نبياً، كما قال عزَّ وجلَّ: { وورث سليمان داود} أي في النبوة، وإلا فقد كان له بنون غيره، فإنه قد كان عنده مائة امرأة حرائر، وقوله تعالى: { نعم العبد إنه أواب} ثناء على سليمان بأنه كثير الطاعة والعبادة والإنابة إلى اللّه عزَّ وجلَّ، وقوله تعالى: { إذ عرض عليه بالعشيّ الصافنات الجياد} أي إذ عرض على سليمان عليه الصلاة والسلام في حال مملكته وسلطانه الخيل الصافنات، قال مجاهد: وهي التي تقف على ثلاث وطرف حافر الرابعة، والجياد السراع وكذلك قال غير واحد من السلف، وعن إبراهيم التيمي قال: كانت الخيل التي شغلت سليمان عليه الصلاة والسلام عشرين ألف فرس فعقرها، وعن عائشة رضي اللّه عنها قالت: قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر وفي سهوتها ستر، فهبت الريح، فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة رضي اللّه عنها لعب، فقال صلى اللّه عليه وسلم: (ما هذا يا عائشة؟) قالت رضي اللّه عنها: بناتي، ورأى بينهن فرساً له جناحان من رقاع، فقال صلى اللّه عليه وسلم: ما هذا الذي أرى أوسطهن؟ قال رضي اللّه عنها: فرس، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: فرس له جناحان قالت رضي اللّه عنها: ! أما سمعت أن سليمان عليه الصلاة والسلام كانت له خيل لها أجنحة؟ قالت رضي اللّه عنها: فضحك صلى اللّه عليه وسلم حتى رأيت نواجذه" "أخرجه أبو داود في السنن من حديث عائشة رضي اللّه عنها". وقوله تبارك وتعالى: { فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب} ذكر غير واحد من السلف والمفسرين: أنه اشتغل بعرضها حتى فات وقت صلاة العصر، والذي يقطع به أنه لم يتركها عمداً، بل نسياناً، كما شغل النبي صلى اللّه عليه وسلم يوم الخندق عن صلاة العصر، حتى صلاها بعد الغروب؛ وذلك ثابت في الصحيحين عن جابر رضي اللّه عنه قال: جاء عمر رضي اللّه عنه يوم الخندق بعد ما غربت الشمس، فجعل يسب كفار قريش، ويقول: يا رسول اللّه، واللّه ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: واللّه ما صليتها، فقال: فقمنا إلى بطحان فتوضأ نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم للصلاة وتوضأنا لها، فصلى العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب، ويحتمل أنه كان سائغاً في ملتهم تأخير الصلاة لعذر الغزو والقتال، والأول أقرب، لأنه قال بعده: { ردوها عليَّ فطفق مسحاً بالسوق والأعناق} قال الحسن البصري: لا واللّه لا تشغليني عن عبادة ربي آخر ما عليك، ثم أمر بها فعقرت، وقال السدي: ضرب أعناقها وعراقيبها بالسيوف وروي عن ابن عباس أنه قال: جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها بيده حباً لها، والأظهر قول الحسن والسدي ، ولهذا عوضه اللّه عزَّ وجلَّ ما هو خير منها، وهو الريح التي تجري بأمره رخاء حيث أصاب، غدوها شهر ورواحها شهر، فهذا أسرع وخير من الخيل.
ساعد في النشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك