ثقاقة عامة وشعر معلومات ثقافية وشعر |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
09-07-2023, 02:09 PM | #1 | ||||||||||||||
شكراً: 9,478
تم شكره 17,570 مرة في 8,937 مشاركة
|
هو لون من الأدب بين الشعر والنثر، يختلف عن النثر بنغمته الموسيقية وجمله المنسقة تنسيقا شعريا أخاذا،كما يختلف عن الشعر بتحلله من الوزن والقافية. وقد ابتدع هذا اللون من النثر الفنى كوكبة من المبدعين منهم مصطفى صادق الرافعى، وأمين الرافعى، وجبران خليل جبران، ومصطفى لطفى المنفلوطى. وقد سلك هذا النثر الفنى الحديث طريقا ذا طابع عصرى، فقد تخلص من أغلب خصائص الصنعة البديعية الموجودة فى المقامات وفى النثر العربى القديم عموما فصار سياقه أكثر اتساقا، كما اعتمد على طبيعة الموقف النفسى والعاطفى بوصفه تعبيرا عن تجارب شخصية وذاتية فأصبح لونا من الأدب الرومانسى. ويمكننا أن نجد نموذجا لهذا اللون من الإبداع الواقع بين الشعر والنثر لدى مصطفى صادق الرافعى (1880 ـ 1937) الذى بدأ حياته شاعرا أصدر أربعة دواوين أولها عام 1903 وآخرها ديوان «النظرات» عام 1908 وقد قدم له بمقدمة تعبر عن آرائه فى الشعر، وقد وصفها الناقد الكبير الدكتور عبدالقادر القط بأنها «آراء فى الشعر تمثل فكر الشباب من رواد الحركة الوجدانية، وحرصهم على أن تنبع التجربة الشعرية من القلب لتخاطب القلب، وعلى أن يكون للشاعر أسلوب جديد متميز عن القديم فى معجمه وأسلوبه وصوره وإيقاعه، وإن لم يخل من امتداد لتراث الشعر العربى فى مرحلة انتقال كان لابد أن يمتزج فيها القديم بالجديد». وقد انتقل الرافعى بعد هذا إلى النثر الفنى حاملا معه رؤيته فى الكتابة الشعرية، فصار نثره وجها آخر من وجوه الشعر، أو لونا من الشعر المنثور كما كان يطلق عليه فى ذلك العصر. ومن أشهر كتبه فى هذا اللون من الإبداع «رسائل الأحزان»، وهو كتاب يضم مجموعة من الرسائل أغلبها شعر منثور وبعضها قصائد منظومة، كتبها الرافعى إلى صديق بعيد تخيله، وهو فى الحقيقة يكتب إلى نفسه، مستعيدا ذكريات تجربته الأليمة. ويروى لنا الدكتور القط هذه التجربة الأليمة قائلا: كانت الأديبة اللبنانية المعروفة «مى زيادة» قد اجتذبت إلى صالونها الأدبى، فى يوم معهود كل أسبوع، عددا كبيرا من الأدباء والشعراء المعروفين، وكان شيئا جديدا فى المجتمع العربى حينذاك أن تستقبل امرأة فى بيتها أمثال هؤلاء الرجال، فتجلس إليهم وتحاورهم فى أمور الأدب والفكر، ففتنوا جميعا بها، وخيل إلى كل واحد منهم أنها تصطفيه ـ أو تحبه ـ دون الآخرين. ويبدو أن الرافعى كان أكثر هؤلاء خيالا، وأقدرهم على التأويل لمواقف وأحاديث وإشارات لا تعنى بالضرورة تعبيرا عن الحب، حيث يقول فى «رسائل الأحزان»: «رأيتها مرة فى مرآتها، وكانت قد وقفت تسوى خصلة من شعرها، ولم يكن قصدها ذلك كما علمت، وإنما أرادت أن تطيل نظرها إلىَّ من حيث لا أستطيع أن أقول إنها هى التى تنظر، فإن ذلك الذى ينظر كان خيالها. فلما نظرت إلى المرآة خيل إلىَّ أنى أرى ملكا قد تمثل فى هيئتها وأقبل يمشى فى سحابة قائمة من الضوء، أو أن يد الله فى لمح النظرة قد رسمت هذا الجمال على تلك الصحيفة يتموج فى ألوانه الزاهية،أو هى قد أرادت أن تبعث إلىَّ بكتاب يحتويها كلها ولا يكون فى يدى منه شىء، فأرتنى مرآتها». وكان طبيعيا لمثل هذا الحب الذى يبنى على التخيل أو الوهم أن ينهار فى لحظة أمام ما يمكن أيضا أن يكون من الوهم أو التخيل. فقد دخل الرافعى إلى صالونها يوم الثلاثاء، وكانت تجلس مع الشاعر إسماعيل صبرى، فاستقبلته كما ينبغى، ثم انصرفت تتم حديثها مع صبرى. وحين طال انتظاره خيل إليه إنها قد اتجهت بعواطفها نحو صبرى، فخرج غاضبا وكتب إليها رسالة قطيعة، ولم يرها بعد ذلك إلا مرة عابرة فى حفل عام. وانقلب ما كان حبا جارفا إلى بغض جارف، وبين هذين الوجهين من الحب راح الرافعى يطيل النظر فى نفسه وفى نفوس الآخرين، ويتأمل وجوها فى الجمال والقبح ويدير فى فكره ووجدانه خواطر ومشاعر حول فلسفة الحب والجمال فى رسائل الأحزان. والرافعى يدعو القارئ ألا يتعجب من هذا التناقض الذى يجمع بين الحب والبغض لشخص واحد، حيث يقول «وأرجو ـ عافاك الله ـ ألا تتطلع فى قلمى بنقد أو اعتراض أو تعقيب بل دعنى وما أكتبه، فإن لكل شىء طرفين، وإن طرفىّ الجمال هما الحب والبغض». ويبدو أن الرافعى المبدع كان يحب الحب فى ذاته أكثر مما يحب الشخص، ويضفى عليه من داخله أكثر مما يستمد منه، حيث يقول: «ما أحسبنى قط رأيت امرأة جميلة كما هى فى نفسها وتركتها كما هى فى نفسها، بل هناك نفسى.. وآه من نفسى! وما أسرع ما يمتزج فى هذه النفس بعض الإنسانية المحبة ببعض الإنسانية المحبوبة، فإذا أنا بشىء إلهى قد خرج من الإنسانيتين، هو هذا الشعر هو هذا البلاء، هو هذا الحب». وعلى الرغم من نقد طه حسين ـ وهو واحد من رواد صالون مى زيادة ـ لهذا الكتاب فى مجلة السياسة الأسبوعية عام 1924، مما أشعل معركة بينه وبين الرافعى زادت حرارتها بعد مهاجمة الرافعى لكتاب طه حسين فى الشعر الجاهلى الصادر عام 1926فى كتابه «تحت راية القرآن»، فإننا لا نعدم استشراف ملامح بعض التأثير لهذا التيار على بدايات الشعر الحديث، حيث يتداعى إلى ذهنى مثلا قول نزار قبانى «لو أنى أعرف خاتمتى ما كنت بدأت» حين أقرأ قول الرافعى «كانت ـ والله ـ قدرا مقدورا، لو علمت كيف تنتهى لاتقيت كيف بدأت، ولكنى جئتها وأنا أقدر أن أراها كما هى، وأدعها كما هى، فإذا القدر مخبوء فيها، وإذا هو قد طلع علىَّ فى ألحاظها، وإذا أنا أراها فلا أدعها». وبغض النظر عن هل كان هذا الحب حبا حقيقيا أم كان وهما، فإن الأدب الذى خلفه لنا أدب صادق كل الصدق، وجدير بأن نستعيد قراءته. ساعد في النشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك المصدر: منتديات حبة البركة - من قسم: ثقاقة عامة وشعر |
||||||||||||||
|
|
|