ثقاقة عامة وشعر معلومات ثقافية وشعر |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
02-09-2023, 02:27 PM | #1 | ||||||||||||||
شكراً: 9,478
تم شكره 17,570 مرة في 8,937 مشاركة
|
مُقدِّمة يُشَكِّلُ كتاب أسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجاني (المُتوفَّى سنة 471 أو 474 هجريَّة) واحدًا من أبرز الكتب العربيَّة التي تدور حول أسرار البيان العربي على نحو مُتميِّز، لأنَّ الكتاب يُؤسِّس لنظريّة في البيان ويجمع بين التنظير والتطبيق البلاغي. لقد عرف تاريخ البلاغة الكثير من الكتابات التي نَحَتْ منحى تجميعيًّا أو انطباعيًّا، لكنَّ أسرار البلاغة، يُعدُّ واحدًا من الكتب التي صَدَرَ الجرجاني فيها عن رؤية نظريّة وممارسة تحليليّة بتوازن يبعث على الإعجاب. بدأ عبد القاهر كتابه بمناقشته مقولة شاعتْ في كتب النقد العربي، وهي اللفظ والمعنى، التي تَعرَّض لها بِشر بن المُعتمِر والجاحظ وابن قتيبة وقدامة بن جعفر. حيث يرى أنصار اللفظ أنَّ قيمة العمل الأدبي تَكمُن في ألفاظه من حيث هي كلمات مفردة، وأنَّ هذه الألفاظ تتفاضل فيما بينها من حيث الفصاحة، والجمال، والروعة، فيما يرى أنصار المعاني أنَّ قيمة العمل الأدبي في ما يحتويه من معانٍ وأفكار؛ فبمقدار نُبْل هذه المعاني وشَرَف هذه الأفكار ترتفع قيمة العمل الأدبي، وقد انتهى عبد القاهر بعد مناقشته للمقولتين إلى رفضهما معًا، وخَلُصَ إلى أنَّ القيمة الفنيَّة للنص الأدبي تَكْمُنُ في صياغته ونَظْمه، وأنَّ النَّظْم هو مناط الإبداع ومظهر عبقريَّته، فالألفاظ لا تتفاضل فيما بينها قبل أنْ تُوضع في سياق لغوي، كما يستحيل وجود تفاضل بين اللفظين في الدلالة، قبل دخولهما في النَّظْم والتأليف. وجَّه عبد القاهر أسرار البلاغة لدراسة مباحث عِلم البيان، كما وجّه جُلّ اهتمامه إلى التشبيه والاستعارة، حيث سعى لسَبْرِ بلاغتهما وما يمتلكانه من طاقات فنيّة وتعبيريّة بالغة التنوّع ومن الأمثلة التي اختارها لبيان جمال الاستعارة، الأبيات التي رأى ابن قتيبة أنَّها ممَّا حَسُن لفُظه وضّعُف معناه: ولَمَّا قَضَيْنَا مِنْ مِنًى كُلَّ حَاجةٍ ومَسَّح بالأركان مَنْ هو ماسحُ وشُدَّتْ على حَدْبِ المهَارَى رِحَالُنا ولم يَنْظُر الغادي الَّذِي هو رائحُ أخذْنا بأطراف الأحاديث بَيْنَنا وسَالَتْ بأعناق المَطيِّ الأباطحُ أمَّا عبد القاهر الجرجاني فيرى أنَّ الاستعارة في قول الشاعر وسالت بأعناق المطي الأباطح هي من ذلك النوع الخاص النادر الذي لا تجده إلَّا في كلام الفُحول حيث أراد الشاعر أنَّها سارت سَيراً حَثيثاً في غاية السرعة، وكانت سرعة في لين وسلامة كأنَّها كانت سيولا وقعتْ في تلك الأباطح فَجَرَتْ بها، ولكنَّه لا يرى روعة الاستعارة في مجرد أن جعل المطي في سرعة سيرها وسهولتها كالماء، يجري في الأباطح، فإنَّ هذا تشبيه معروف، وإنَّما سِرُّ هذه الروعة يرجع إلى النَّظْم البارع، والتأليف الدقيق، حيث أسند الفعل سال للأباطح ثُمَّ عدّاه بالباء التي أدخلها على أعناق المطي ولم يقل بالمطي ولو قال سالت في المطي الأباطح لم يكن شيئًا. وقد حرص عبد القاهر على أنْ يرتبط تحليل الاستعارة بالقُدرة على التذوّق فهو يصف الاستعارة والتَّخيُّل بأنَّهما موضع في غاية اللطف لا يبين إلَّا إذا كان التصفّح للكلام حسَّاسًا، يعرف وَحْي الشِّعر، وخفي حركته التي هي كالهمس وكمسرى النفس في النفس. يتتبَّع عبد القاهر فروع عِلم البيان فيتناول التشبيه والاستعارة مبيّنًا ضُروبهما، وصُورهما، وجوانب بلاغتهما المتنوِّعة، كما ابتدع بعضها من ضروب التشبيه؛ كمبحث التشبيه التمثيلي الذي خصَّه عبد القاهر بدراسة بالغة العمق حيث يُفرِّق عبد القاهر بين التمثيل، وسواه من صور التشبيه، بأنَّ التمثيل ما كان وجه الشَّبه فيه عقليًّا، وكان هيئة منتزعة من تعدّد أو على حَدِّ قوله: هو ما انتُزع من عدَّة أُمور ليجمع بعضها إلى بعض ثُمَّ يُستخرَج من مجموعها الشبه فيكون سبيله سبيل الشيئين، يمزج أحدهما بالآخر، حتَّى تحدث صورة غير ما كان لهما في حال الإفراد. ومثلما أوضح العلَّامة محمود محمد شاكر في مُقدِّمة تحقيقه للكتاب، أنَّه سَبَقَ عبد القاهر الجرجاني مَن تحدَّث في مسائل البيان، لكنَّه وحده جعل من هذا الفنّ مرفوع القواعد، مُفتَّح الأبواب... فهو واضِع عِلْم البلاغة. ساعد في النشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك المصدر: منتديات حبة البركة - من قسم: ثقاقة عامة وشعر |
||||||||||||||
|
|
|