رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء حول رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
07-27-2019, 05:29 PM | #1 | ||||||||||||||
شكراً: 9,478
تم شكره 17,570 مرة في 8,937 مشاركة
|
كثيرٌ من العبادات حين تفقد رُوحَها تغدو مجرد عاداتٍ استأنست النفس بها، وباتت تشعر بالحرج في التخلي عنها، وحبُّ الرسول صلى الله عليه وسلم غدَا للأسف من هذا القبيل؛ فكل مسلم يحب الرسولَ صلى الله عليه وسلم، ولكنْ قليل مَن يفِي بحقِّ هذا الحب وما يلزَمُه من اتباعٍ دون ابتداع، إن صورة الرسول صلى الله عليه وسلم - كما قال محمد قطب - تعاني "في قلوب مسلمي اليوم عُزلةً وجدانية عميقة؛ حيث أضحى حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم قابعًا في نفوسهم، دون أن يكون له ذاك التأثير الذي كان للسلف الصالح، ودون أن يتجسد بكل مقوماته في حياتنا اليومية"، وقد بسط محمد قطب بعض الأسباب التاريخية لهذه العزلة في كتابه القيم: "قبسات من الرسول صلى الله عليه وسلم" فقال: "في عهد أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - لم يكن هناك حديث عن العزلة؛ لقُرب العهد بالرسول صلى الله عليه وسلم، فكانت ذكراه لا زالت حيةً في نفوسهم، وتعاليمه وأقواله لا زالت دستور حياتهم، فاستمر بذلك إحساس المسلمين بوجود الرسول صلى الله عليه وسلم بينهم، وإن غابت عنهم ذاتُه الشريفة، ثم جاء عهد عثمان - رضي الله عنه - فسار على منوال صاحبَيه ما استطاع، لكن سرعان ما أطلَّتِ الفتنة مُنذرة بتمزيق واهتزاز في وسط الأمة، فبدأ الناس يشعرون بافتراق الطريق، وأخذت الصورة المتكاملة للرسول صلى الله عليه سلم تنحسر شيئًا فشيئًا إلى داخل النفوس بعد أن كانت ملء النفوس وملء الحياة في ذات الوقت، وبتوالي الأحداث وتتابُعِ الفتن بدأت تتسع الهوَّة بين واقع الأمة المشهود وبين تعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم، وبدأت معها صورةُ الرسول صلى الله عليه وسلم تبتعد عن واقع المسلمين، وتنحسر في قلوبهم ووجدانهم بشكل سلبي، وتأبى أن تغير الواقع المريض والشرور المتفاقمة، إلا أن العزلة التامة والمخيفة تمت وبسطت سمومها منذ أن بعُد الحكم والمجتمع كلاهما عن الإسلام، وصارَا تابعين للغرب يسيرَا وفق ما شاء، فغدَا المجتمع صورة متحللة فاسدة، لا هي إسلامية كما كانت، ولا هي نسيجٌ واحد متميز، وإنما هي مسخ مشوَّه لا وحدة له ولا كيان، وهنا - ويا للأسف والضياع الجسيم - لم يعُدِ الرسول صلى الله عليه وسلم موجودًا في واقع الحياة، لم يعد كيانًا شاخصًا بتعاليمه وتوجيهاته، وانحصر في مشاعر الناس، وغدَا صورة مثالية يطالعها الناس لكن لا ينفعلون بها". وسَط هذه العزلة سعى المسلمون لبعث الحياة في هذا الحب والتعبير عنه بصور شتى ما درَجَ عليها سلفنا الصالح؛ كالاحتفال بذكرى ميلاده صلى الله عليه وسلم، الذي أضحى عيدًا سنويًّا تُقام فيه حفلات ومنكرات ما أنزل الله بها من سلطان، أو ما جرَتْ عليه عادة كثير من الناس في القيام عند ذكره صلى الله عليه وسلم تعظيمًا له، وهذا القيام - كما قال برهان الدين الحلبي -: "بدعةٌ لا أصل لها، لكنْ هي بدعة حسنة"، وقد وُجد القيام عند ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم من الإمام تقي الدين السبكي، وتابَعه على ذلك مشايخ الإسلام في عصره؛ فقد حكى بعضهم أن الإمام السبكي اجتمع عنده كثير من علماء عصره، فأنشد منشدٌ قولَ الصرصري في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم: قليلٌ لمدح المصطفى الخطُّ بالذَّهب على ورقٍ مِن خطِّ أحسن من كتَبْ وأن تنهض الأشرافُ عند سماعه قيامًا صفوفًا أو جثيًّا على الرُّكَبْ فعند ذلك قام الإمام السبكي وجميع من في المجلس، فحصل أُنسٌ كبير بذلك المجلس - كما ذكر برهان الدين الحلبي في السيرة الحلبية. وغنيٌّ عن الذِّكر فعلُ الصوفية في هذا الباب، وما ابتدعوه من سبل للتعبير عن مقام الحب. إذ الحب عندهم فَناء المحب في المحبوب، ولما ادعوا سَفَهًا الاتحادَ بالله والفَناء فيه، لم يستعصِ عليهم القولُ بالاتحاد بالرسول صلى الله عليه سلم والفَناءِ فيه بدعوى محبته، فلا يكفي في نظرهم تقليد الرسول صلى الله عليه وسلم في أفعاله وأخلاقه، بل تاقَتْ نفوسهم إلى دوام حضوره معهم؛ لذا يدَّعي المريدون رؤيته في شتى الصور، في النوم واليقظة.. ورؤيته في المنام من الأمور العادية في الحياة الصوفية، ولهم طرق خاصة في التعبير عن المحبة؛ كإقامة حلقات الذِّكر وما يصحبها من تعذيب للبدن، أو حبس للنفس، وغير ذلك من الأمور التي تجعل الصوفي يفقد الشعور تدريجيًّا، ويقع في حالة تشبه الغيبوبة، وأحيانًا يصاحب حفلاتِ الذِّكر الموسيقا والغناءُ، وتتدرج هذه الطرق حتى تصل إلى درجة الفَناء؛ حيث يبطل شعور المتصوف بكل ما حوله، ويخيَّل إليه أنه قد اتحد بمحبوبه، ولعل المتفحص اللبيب يستطيع أن يجزم بغلوِّ هذه الطائفة، وبُعد طقوسها عن النهج المحمدي القويم. لكن الأدهى والأمرَّ ما تمَّ ابتداعه من أشكال حديثة في عصرنا، من خلال ما يسمونه: "فنًّا إسلاميًّا" يعرض السيرة النبوية من خلال المسلسلات والأفلام الدينية، بأساليبَ تتنافى وقيمَنا الإسلامية، ومن قِبَل أشخاص فقدوا كل "مصداقية"! "إن ما حدث ويحدُث - كما يقول محمد قطب - لَيعتبر جُرمًا عظيمًا وزيغًا عمَّا أراده الله عز وجل للبشرية.. إن الله سبحانه وتعالى لما أوجب محبة المصطفى صلى الله عليه وسلم أراد بها تلك المحبةَ الإيجابية المثمرة التي تخفِقُ بذكر المحبوب، لكن أيضًا ترفض سجنه في قفص وجدانها، بل تسعى جهد ما تستطيع إلى تشخيص صورة الحبيب، ونشر مبادئه وتعاليمه، حتى تصبح صورتُه ملء النفوس وملء الحياة في ذات الوقت". إن محبةَ الرسول صلى الله عليه وسلم فرضٌ وواجب على كل مسلم، بل إن المسلم مطالَبٌ بأن يكونَ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أحبَّ إليه من نفسِه ووالده وولده والناس أجمعين، قال عليه الصلاة السلام: ((لا يؤمِنُ أحدُكم حتى أكونَ أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)). وقد جمع النبيُّ صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أصناف المحبة، وهي ثلاثة - كما ذكرها ابن بطال فيما نقله عنه الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم -: "محبة إجلال وعظمة كمحبة الوالد، ومحبة شفقة ورحمة كمحبة الولد، ومحبة استحسان واستلذاذ كمحبة سائر الناس". والمتتبع لكلام السلف يستقرُّ في فؤاده وعقله أن محبةَ الرسول صلى الله عليه وسلم ليست مجرد مشاعرَ تتحرَّكُ بها نياط الفؤاد، بل هي مقامٌ أعلى وأسمى؛ ولهذا قيل: "عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] اعتقادُ نصرته، والذبُّ عن سنَّته، والانقياد لها، وهيبة مخالفته"، وهذا ما فقهه الصحابةُ الكرام، فسطروا تاريخا مُبهرًا في علاقتهم بقائدهم وحبيبهم صلى الله عليه وسلم، وتفانَوْا في الدفاع عنه، واسترخصوا لأجله نفوسَهم وأموالهم وأهلهم، وحققوا بذلك المعنى الحقيقيَّ لمحبة المصطفى صلى الله عليه وسلم. بَيْدَ أن الناس يتفاوتون في الإحساس بهذه المحبة - كما ذكر ابن حجر في فتح الباري -: "فمنهم مَن أخذ من تلك المرتبة بالحظ الأوفى، ومنهم مَن أخذ منها بالحظ الأدنى، كمن كان مستغرقًا في الشهوات، محجوبًا في الغفلات في أكثر الأوقات، لكن الكثير منهم إذا ذُكر النبيُّ صلى الله عليه وسلم اشتاق إلى رؤيته، بحيث يُؤثِرُها على أهلِه وولده، وماله ووالده، ويبذُلُ نفسَه في الأمور الخطيرة... لِما وقر في قلوبهم من محبته، غيرَ أن ذلك سريعُ الزوال بتوالي الغفلات". واتباعُ الرسول صلى الله عليه وسلم - كما ورد في شرح العقيدة الطحاوية -: "واجبٌ دِيني؛ إذ اتباعُه اتباعٌ لشرع الله، وطاعته طاعة لله عز وجل، ومعصيته معصية لله سبحانه، وكل مَن أراد أن يحكُمَ في شيء من أمر الدِّين - غيرَ ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم - فإنه يكون مخالفًا لشرع الله تعالى ... فالواجب كمالُ التسليم للرسول صلى الله عليه وسلم، والانقياد لأمره، وتلقِّي خبره بالقَبول". جملة القول في هذا المقام: أن حبَّ النبي صلى الله عليه وسلم قُربةٌ نتقرَّب بها إلى ربنا، والذود عنه في ظل الهجمات الشرسة من أعداء الدِّين لا ينبغي أن يبقى ردَّ فعلٍ يستفيق كلما جدَّ فِعلٌ من العدو، بل ينبغي أن نُفَعِّلَ هذا الحب فنُحييَ سنة نبينا في كل أمور حياتنا: في سلوكنا ومعاملاتنا، في بيوتنا وشوارعنا وأماكن عملنا، في إعلامنا وكتاباتنا وكل نبض في حياتنا، حينها سيعلَمُ العالَم من هو قدوتُنا، ومن هو معلِّمنا، ومن هو حبيبنا بعد ربِّنا سبحانه. ساعد في النشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك المصدر: منتديات حبة البركة - من قسم: رسول الله صلى الله عليه وسلم |
||||||||||||||
|
|
|