ثقاقة عامة وشعر معلومات ثقافية وشعر |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
03-01-2019, 04:34 PM | #1 | ||||||||||||||
شكراً: 9,478
تم شكره 17,570 مرة في 8,937 مشاركة
|
الثقافة هي استمرار في سعة الاطلاع على المعارف الإنسانية والعلمية، والمهارات التقنية والحركية، والسلوكيات النفسية السائدة في مكان وزمان ما. وتُحدث سعة الاطلاع هذه وتنوعها وعمقها تفاعلات لا حصر لها في النفس الإنسانية، ومنها ما يطرح جانباً، ومنها ما تتمثله النفس فيحدث تغيراً في الطباع والتصرفات والسلوك. وهكذا مع تراكم الأخذ والتحصيل يرقى السلوك ويصل الإنسان لنقطة العطاء، والعطاء الثقافي هو النهج الثقافي في البذل، وبالعطاء تتمايز الأفراد والمجتمعات في نهجها الثقافي، والتمايز لأي نهج ثقافي عن آخر مناط بتوجيه العلم، وقدرة العمل، وقيادة الأخلاق. فبتوجيه العلم يُترجم النهج الثقافي لفكرٍ ما واقعاً ملموساً، قد ينتشر أو ينحسر، ويُقبل من الآخرين أو بعضهم أو يُرفض، ويُحتذى أو يُترك، ويُطور أو يُهمل. وبقدرة العمل يُترجم النهج الثقافي إلى حقائق مادية، تنتشر أو تنحسر، وتُقبل من الآخرين أو تُرفض، وتُحتذى أو تُترك، وتُطور أو تُهمل. أما الأخلاق فهي التي تحدد شكل ومذاق ولون النهج الثقافي، لأن الأخلاق تحدد الأسلوب الذي يُقدم به هذا النهج الثقافي أو ذاك، وتحدد لون التواصل والتكامل في الأخذ والعطاء، وهي بدورها قابلة للقبول أو الرفض، والانتشار أو الانحسار، وقد تدعم وتقوي الثقافة، وقد تضعفها. مما تقدم نرى أن الأخلاق هي أسلوب التواصل الثقافي في الأخذ والعطاء، فالأخلاق هي وجه الثقافة المعتم أو المضيء، وهي روحها التي تبعث بها الحيوية، والديمومة. لذا فكثيرة هي الثقافات التي تُؤخذ وتُكتسب رغم أنها خالية من دفء المشاعر وصدق الأحاسيس وعذوبة الكلمة كثقافات العلوم التطبيقية لكنها تؤخذ للانتفاع بها. أما الثقافات ذات الطابع الإنساني تنبض بالمشاعر والعواطف. والثقافات والأخلاق متنوعة ومتعددة وتتداخل وتتقاطع وتختلف من فرد إلى آخر، ومن مجتمع إلى آخر، ومن زمان أو مكان لآخر. فالثقافة إذا هي مستوى وكم العطاء والتحصيل الفكري والمادي والسلوكي لدى الإنسان والمجتمع. أما الأخلاق فهي ماهية الأخذ وأسلوبه وماهية العطاء وكيفية التعامل وأسلوب التواصل، الذي يشجع على انتهال هذه الثقافة أو تلك، أو الإحجام عن هذه أو تلك. ولا يمكن لثقافة أن تنتشر ويطول أمدها من غير أخلاق تناسبها وتتواءم معها. فالثقافة النبيلة لا تنتشر بأخلاق رديئة، والأخلاق الفاضلة لا تقوم إلا بثقافات نبيلة. والخطورة تكمن في تقديم الثقافات النبيلة من غير أخلاق أو بالرديء منها، حينها يتعذر انتشارها من غير قوة، والخطورة تكمن في مرافقة القوة للثقافة واستبعاد الأخلاق، حينئذٍ يحل الإكراه مكان الاختيار، والقسر مكان الرضا، والتقبل مكان القبول. والخطورة الكبرى تكمن في ديمومة انتشار الثقافات المترافقة بالقوة والهيمنة لأن ديمومتها مترافقة مع انعدام الإنصاف وغياب العدل وتعطيل المساواة. هذه هي بداية النهاية لكل فعاليات الإنسان السائرة بفعل القوة، لأن القوة ستتناقص وتتراجع ولا يمكن لها من الحفاظ على طاقة وسرعة دفعها المنتظمة للثقافات ما لم تعطل قوانين فيزياء الحركة في الإنسان والمجتمعات، وهذا هو السقوط والانحطاط بالمجتمعات الذي يلغي حتى قانون العطالة الذي قد يحميها من الانهيار دفعة واحدة. وعظمة الثقافة في خلودها، وخلودها بعظمة الأخلاق التي تمنحها الروح والحيوية والبقاء، لا بسيادة الانتشار القسري. والأخلاق العظيمة تفرض نفسها وثقافتها فتستقر في الأنفس وتحتل القلوب وتهيمن على السلوك برضائية وانسجام، وليست كالثقافة التي تفرضها القوة والتي تصبح، أداءً لا مضموناً ومسلكاً لا سلوكاً، وشكلاً فاقداً لمحتواه، ولوناً لا صبغة له، فليس هناك من قوة أعظم وأكثر وأشد تأثيراً من الأخلاق والدليل على ذلك خلود أثرها في الثقافات المتمسكة بها والتي زرعها الأنبياء سلام اللـه عليهم، وسقوها بماء المكرمات فهي الخالدة أمد الدهر. بقلم : د. كمال الحمصي ساعد في النشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك المصدر: منتديات حبة البركة - من قسم: ثقاقة عامة وشعر |
||||||||||||||
|
|
|