أهلا وسهلا بكم, يرجى التواصل معنا لإعلاناتكم التجارية

انت الآن تتصفح منتديات حبة البركة

العودة   منتديات حبة البركة > القسم المتنوع > ثقاقة عامة وشعر
ثقاقة عامة وشعر معلومات ثقافية وشعر

إضافة رد

 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-28-2016, 07:22 PM   #1


الصورة الرمزية مجموعة انسان
مجموعة انسان متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 4
 العلاقة بالمرض: مصابة
 المهنة: لا شيء
 الجنس ~ : أنثى
 المواضيع: 56506
 مشاركات: 6368
 تاريخ التسجيل :  Aug 2010
 أخر زيارة : اليوم (12:25 PM)
 التقييم :  95
 مزاجي
 اوسمتي
التميز مشرف مميز 
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 9,478
تم شكره 17,570 مرة في 8,937 مشاركة
افتراضي سم آلفئرآن 




ســــــــــــم الفئـــــــــــران

بخطوات واثقة أعود الى البيت ، ثابتة كخطوات قائد عسكري محنك ، لقد اتخذت قراري هذه المرة ولم يعد بالإمكان إثنائي عنه .
وبقوة أضم قبضتي على اللفافة الصغيرة التي خرجت لإقتنائها والتي سوف تضع حدا لمعاناتي ، ويالها من مفارقة غريبة . لفافة صغيرة سوف تحل مشكلة كبيرة ! .. أخيرا أصل الى الباب الخشبي المتهالك ، فالقفل الصدئ ثم البيت الذي تفوح منه رائحة العفن . أدلف الى الغرفة الضيقة وأغلق الباب خلفي في إحكام . أنظر الى اللفافة الصغيرة وصوت البائع مايزال يتردد في أذني الوسطى وهو يؤكد أن بها دواء فعالا في القضاء على إزعاج الفئران .. هــه قال الفئران ، البائع الجاهل يظن أن أسوأ إزعاج في الحياة تسببه الفئران . يا له من أحمق ! ودون تردد أفرغ محتوياتها في فمي وأتبعها كوبا من الماء . كان الطعم شنيعا لا يطاق لكنني أجبرت نفسي على إبتلاعه . تهالكت على المقعد في انتظار بداية الأعراض . مرت دقائق تلتها دقائق . لم يحدث شيئ .اللعنة الى متى علي الانتظار? بينما راحت ذاكرتي تستعرض الخيوط المعقدة التي نسجها عنكبوت الايام صانعا منها نسيج ذكرياتي ، وأحداث الماضي كلها تتشكل أمامي على الجدار كأنه شاشة عرض وهمية تبث لقطات سابقة من حياتي ..

ـ رضيع يبكي فتقمه أمه ثديا ضامرا يتلقاه في لهفة جائعة ..

ـ صبي صغير يدخل ساحة المدرسة لأول مرة دون أن يتخلى عن قبضة والده ..

ـ معلم مسن كبومة عجوز يربت على رأسه الصغير مهنئا لقد نجحت هذه السنة أيضا ..

ـ سنوات أخرى من النجاح .. والمزيد من عبارات التهنئة ..

ـ استاذان يتهامسان : ياله من تلميذ نابغة ! فيرد الآخر : سيكون له في المستقبل شأن عظيم ..

ـ تلميذ منكب على استذكار دروسه في تفاؤل من يحسب ان هذه الغرفة بمثابة الشرنقة التي سوف تحلق منها فراشة أحلامه ..

ـ آثار بادية على سيماء طالب يتسلم شهادة انهاء مشوار الدراسة بامتياز ..

ـ مدير شركة يقول في لامبالاة : ضع طلبك عند السكرتيرة وسوف نتصل بك لاحقا ..

ـ المزيد من الطلبات تقابله المزيد من الاحباطات ..

ـ زملاء دراسته يتوظفون تباعا ..

ـ بواب شركة يقول له ناصحا : اذا أردت أن تشتغل فلا مناص لك من واسطة وازنة ، أو تحلية كبرى ..

ـ أمه الطيبة تقول له في حسرة : من أين لي بالحلاوة يا ولدي ..

ـ شاب يائس يمزق شهاداته الدراسية ويعتزل الناس في منزويا في ركن غرفته ..

ثم أيام متوالية تتساقط من صنبور الزمن لتشكل جدولا صغيرا من الشهور ، والشهور بدورها تتكاثف لتصير بحيرة من السنوات ..

الشاب يزداد يأسا ونحولا ..

ـ والد أحد أصدقائه يطلب منه الاشراف على مكتبته وسط المدينة ..

وأخيرا تعود البسمة الى شفاهه وهو يتسلم عمله الجديد ، ورغم أنه لم يكن مربحا الا ان سعادته كانت لا توصف وهو يجلس بين أكوام الكتب ، حيث يروي متعته الكبرى في الحياة القراءة . لهذا فقد كنت تجده دوما منكبا على إلتهام الصفحات المختلفة يقاتل مع الفرعون رعمسيس جيوش الهكسوس ، أو يرافق أجاممنون وأوليس في محاصرة طروادة لإستعادة هيلين المخطفة .. وكالمسحور يتابع تلك الاساطير اليونانية الممتعة حيث أبوللو يقود عربة الشمس و بندورا تفتح الصندوق الذي كان يحبس كل مشاكل العالم .. هوميروس الضرير يعزف مترنما بإلياذته وأوديسته . فلا ينتزعه من ذلك العالم الشيق سوى مغامرات اللص الظريف أرسين لوبين الذي يسرق الأموال من الأغنياء ليوزعها على الفقراء ، أو يحاول التوصل الى من سرق جواهر لورد ويندصور قبل هيركيول بوارو المحقق الأثير لدى أجاثا كريستي .. الخ ...

هنا في هذه المكتبة عثر على حلمه ، فلطالما اعتبر نفسه شخصية خيالية في رواية ما . لهذا لم يحب الحياة ولا تعقيداتها ولم يكن يتصور نفسه يناقش النجار أسعار الخشب ، أو السباك صنابير المياه التالفة مثلا . وحتى في الأكل فلم يكن شرها بل كانت تكفيه بضع لقيمات تقيم أوده .

الى أن أتى ذلك اليوم الذي كان منغمسا حتى النخاع مع تحقيقات النيابة في إطلاق الرصاص على قمر علوان في يوميات نائب في الأرياف رائعة توفيق الحكيم . فإذا به يسمع صوتا ملائكيا يقول : لحظة من فضلك . لابد أن الأحداث الطريفة قد جرفته فلم يسمع طلبها . رفع إليها رأسه متسائلا فعادت البلابل تعزف مع صوتها في خفوت : الملك لير . نظر اليها باستغراب وهو يقوم بجلب طلبها الغريب مسرحية لير لشكسبير . وبالطبع فقد كان استغرابه راجعا لكون معظم طلبات الفتيات تدور حول كتب الأبراج والحمية وكيف أن ربع كيلو من البطاطيس المقلية ، يزيد في سعراتهن الحرارية .. فتيات تافهات يحسبن أن ذروة الثقافة تكمن في ترديد كلمتين أو ثلاث من الانجليزية مع الاكثار من لفظة oh ! mon dieu . اختلس اليها نظرة وهو يناولها الكتاب . كانت جميلة بل فاتنة ومن عيونها السوداء أطلقت عليه سهما فتاكا شعر به ينحفر في وجدانه الى الأبد . وكانت تلك البداية ..

وفي الايام التالية توطدت العلاقة بينهما وبدأ يعرف أنها فتاة من نوع مختلف ، تتذوق الأدب وتقرض شعرا راقيا طالما أسكرته أبياته الرائعة في خمور المتعة الفكرية . بعدها صار من المألوف أن يراهما الرائي منهمكين في دردشة جادة أو مرحة تناقش في نفس الوقت كل شيئ ولا شيئ . فالمهم أنهما يعيشان معا نفس اللحظة ، ويتقاسمان ذات الأفكار . كانت بسيطة جدا تهوى المرح وإعداد المقالب . ورويدا رويدا بدأ يفطن الى .. الى أنها تحبه .. كلماتها ، نظراتها ، همساتها .. كلها تفضح سر قلبها العاشق .
لكنه لم يجرؤ على الإعتراف ـ ولو لنفسه ـ بأنه يحبها . فهي من عائلة ثرية تتحدث لغة الدولار بطلاقة.
كانت تحدثه عن خادماتها وسائقها الخصوصي .هو الذي لم يغير حذاءه منذ سنوات . كانت تحدثه عن رحلاتها هو الذي لم يغادر الحي الا نادرا . لاشك أنها تفتح الثلاجة على عدة هكتارات من الفواكه بينما لم يعد يذكر نكهة الموز منذ أن تناوله في طفولته عندما كان مريضا . كان واضحا ان طريقهما مختلف . بل متواز وقد علمه أٌقليدس أن الخطوط المتوازية لا يمكن أن تلتقي أبدا .
وبينما هو غارق في حيرته بين الإقدام أو الإحجام . يباغثه رب العمل انه يعتزم تحويل المكتبة الى المقهى . متعللا بأن عدد الباحثين عن الثقافة يتراجع قياسا بعدد الباحثين عن مكان يدخنون فيه السجائر . وهكذا وجد نفسه قد صار جنديا بجيش العاطلين . وعاد ليتسلم عمله في ركن غرفته الضيقة .
وعاد لكآبته ويأسه الى أن سمع عطار الحي يتحدث عن سم الفئران فراح يفكر فيه كوسيلة للخلاص من حياة لم تجرعه سوى كؤوس المرارة ..

انتهى شريط حياته القصير عند اللحظة التي تهالك فيه على المقعد وقد احتسى سم الفئران ..
وعندما عاد الي وعيي كنت أحس أن فمي جاف كالصمغ . وثمة طرقات عنيفة تتردد في المكان . لا بد أنه في القبر هكذا قلت لنفسي قبل أن أدرك أن الطرقات صادرة من مخه أنا .. وثمة صداع عنيف يكتنف شعوره .
وبصعوبة أتبين صوتا يقول في ذعر : عندما طلب مني سما للفئران التي تزعجه ، شعرت أنه ينوي شرا . فأعطيته هذه الحبوب المنومة . وقد اتضح الآن أنني كنت على حق .
هكذا الأمر إذن أيها العطار الأحمق .. حبوب منومة بدل سم الفئران .. لقد منعتني من الإنتحار هذه المرة ، لكنني لن أكف عن المحاولة ..
كان تفكيري مشوشا للغاية وأنا أخرج الى الشارع .. أسير في الطرقات على غير هدى .. أتصفح وجوه المارة .. أبحث عن أشياء لا أدري كنهها ..
الضياع .. نعم هذا هو الوصف الدقيق لما كنت أشعر به .. وفجأة تناهى الى مسامعي صوت من السماء .. صوت ساحرا يترنم الله أكبر .. الله أكبر ..
كان أذان الفجر يتسلل الى أعماقي نفسي فأحسه يتسرب الى رويدا رويدا .. يغسل آلامي .. وينشر السكينة على روحي المضطربة ..
لم أشعر بنفسي إلا وماء الوضوء البارد يمسح حرارة أعماقي .. وهاتف علوي يهتف في أعماقي مرددا ..


إذا كنت تشعر أنك قد فقدت الدنيا .. فلا تخسر الآخرة أيضا ..
لا تخسر الآخرة ...
لا تخسر الآخرة ...
لااااااااااااااا .....

ساعد في النشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك





 
 توقيع : مجموعة انسان







رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية
مرحبا أيها الزائر الكريم, قرائتك لهذه الرسالة... يعني انك غير مسجل لدينا في الموقع .. اضغط هنا للتسجيل .. ولتمتلك بعدها المزايا الكاملة, وتسعدنا بوجودك

الساعة الآن 12:27 PM.


Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2024