تجارب علاجية مع أمراض مختلفة مرضى كتبوا تجاربهم مع أمراض عديدة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
04-18-2018, 05:28 PM | #1 | ||||||||||||||
شكراً: 9,478
تم شكره 17,570 مرة في 8,937 مشاركة
|
قد تبدو فكرة حرمان الناس من النوم من أجل إخراجهم من الاكتئاب الحاد منافية للمنطق، لكنها الشيء الوحيد الذي قد يكون فعالا عند البعض. ظهرت العلامات الأولية لنجاعة هذا العلاج على مستوى يدي أنجلينا. فبينما كانت تتحدث مع الممرضة، بدأت تحرك أصابعها وترسم بها أشكالا في الهواء. ومع مرور الدقائق وحيوية أنجلينا، لوحظ أيضا تغير نبرة صوتها، وهي بالتأكيد لم تكن على هذه الحال من قبل. إن تراخي خطوط جبينها وضم وتوسيع شفتيها، بالإضافة إلى تجعيدها عينيها يعكس بكل وضوح حالتها الذهنية. دبت الحياة في أنجلينا في الوقت الذي يبدأ جسم الإنسان المعافى بالتهيؤ للنوم. إنها الثانية صباحا، ولن يكون بإمكانها النوم مجددا إلا بعد 17 ساعة على أقل تقدير. وتعتبر هذه ثاني ليلة من أصل ثلاثٍ تُحرَم فيها أنجيلينا من النوم. فبالنسبة إلى شخص مصاب باضطراب المزاج ثنائي القطب، إلى جانب تمضيته سنتين تحت وطأة اكتئاب حاد أثقل كاهله، يبدو العلاج بهذه الطريقة آخر شيء تحتاجه أنجيلينا، لكن يأمل الأطباء المشرفون عليها أن تكون هذه طريقتها للخلاص. وطيلة عقدين من الزمن، كان فرانشيسكو بينيديتي، رئيس قسم الطب النفسي بمستشفى سان رافاييل بميلانو، يتحقق من صحة ما يسمى بالعلاج بالاستيقاظ، مصحوبا بتعريض المريض للضوء الساطع والليثيوم كوسيلة لمعالجة الاكتئاب في الحالات التي لم تنفع معها العقاقير الطبية. وكنتيجة لذلك، بدت جلية تأثيرات هذا العلاج لعلماء النفس في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة ودول أوروبية أخرى، الذين أطلقوه بمختلف أنواعه في مستشفياتهم. ويتلخص عمله في تحريك الساعة البيولوجية، التي تكون في حالة خمول، وبذلك يتم أيضا تسليط الضوء على بنية مرض الاكتئاب وكيفية عمل النوم عموما. ويقول بينيديتي إن الحرمان من النوم له تأثيرات عكسية على الأشخاص الأصحاء. فإذا لم ينم الشخص السليم سيكون معكر المزاج. لكن إذا كان مكتئبا، سيحسّن هذا فورا مزاجه وقدراته الذهنية. لكنه أضاف أن هناك مشكلا يتمثل في إمكانية حدوث انتكاسة بنسبة95 بالمائة إذا نام الشخص وعوّض ما فاته من ساعات النوم. ونُشر تقرير عن تأثير الحرمان من النوم على مقاومة الاكتئاب بألمانيا لأول مرة سنة 1959 استهوى الباحث الألماني بورخارد بفلوغ، الذي تحرى عن السبب في أطروحته للدكتوراه وفي دراسات لاحقة في سبعينيات القرن الماضي. وأكد بورخارد أن قضاء ليلة واحدة دون نوم تجعل الخروج من حالة الاكتئاب ممكنا. وكان بينيديتي مهتما بهذه الفكرة عندما كان طبيبا نفسيا شابا بداية التسعينيات، في وقت سبقه إطلاق عقار Prozac بسنين قليلة محدثا ثورة في علاج الاكتئاب. لكن قَلَّمَا جُرِّبت هذه العقاقير على أشخاص مصابين باضطراب المزاج ثنائي القطب. وقد علمت التجربة الكبيرة بينيديتي منذ ذلك الحين أن مضادات الاكتئاب غير مجدية للأشخاص المصابين باضطراب المزاج. وكان مرضاه في أمس الحاجة إلى بديل، فراودت إنريكو سميرالدي، المشرف على بينيديتي، فكرة، فبعدما قرأ البحوث السابقة حول العلاج بالاستيقاظ قام بتطبيقها عليهم فأعطت نتائج إيجابية. ويقول بينيديتي إن المرضى الذين كان لهم سجل طبي فظيع شرعوا فورا في التحسن، وأن مهمته كانت ترتكز بالأساس على إيجاد طريقة لذلك. وتوجه بينيديتي وزملاؤه إلى قراءة المؤلفات العلمية من أجل مزيد من الأفكار. هذا وقد اقترح عدد قليل من الدراسات الأمريكية بأن بإمكان الليثيوم أن يطيل تأثير الحرمان من النوم، فقاموا بالتأكد من صحة هذه الفكرة، فوجدوا أن65 بالمائة من المرضى المتعاطين لليثيوم أظهروا استجابة مطولة للحرمان من النوم مقارنة بـ 10 بالمائة فقط من الذين لم يتعاطوه. ونظرًا لأن غفوة قصيرة قد تقوض فعالية العلاج، بدؤوا في البحث عن طرق جديدة لإبقاء المرضى مستيقظين ليلا، واستوحوا من طب الطيران فكرة الضوء الساطع، الذي استُعمل للإبقاء على الطيارين متنبهين ومستيقظين. وأطالت هذه الفكرة أيضا أمد تأثير الحرمان من النوم على شاكلة الليثيوم. ويقول بينيديتي إنهم قرروا أن يعطوا المرضى العلاج بمختلف أشكاله (بحرمانهم من النوم وتعريضهم للضوء الساطع وإعطائهم الليثيوم). وأضاف أن التأثير كان مدهشا. وفي أواخر التسعينيات بدؤوا بتطبيق العلاج الثلاثي على المرضى بشكل دوري. وكان الحرمان من النوم يتم بين كل ليلتين مدة أسبوع، وكانت عملية تعريض المرضى للضوء تتم كل صباح مدة نصف ساعة طيلة أسبوعين، وقد استمروا في توظيف هذا العلاج إلى يومنا هذا. ويضيف بينيديتي "نستطيع التفكير في الأمر على أنه تغيير أو توسعة في دورة الاستيقاظ والنوم من 24 إلى 48 ساعة وليس حرمانا من النوم، فعندما يذهب المرضى للنوم كل ليلتين ينامون متى أرادوا من ساعات". وأخرج مستشفى سان رافاييل العلاج الثلاثي إلى الوجود أول مرة سنة 1996. ومنذ ذلك الحين ساهم في علاج ما يقارب ألف مصاب باضطراب المزاج ثنائي القطب لم تؤثر فيهم الأدوية المضادة للاكتئاب. وتتحدث النتائج عن نفسها: فحسب آخر المعطيات، استجاب حوالي 70 بالمائة من مرضى اضطراب المزاج للعلاج الثلاثي خلال الأسبوع الأول، وأظهر 55 بالمائة منهم تحسنا مستمرا في حالتهم النفسية بعد شهر واحد. أما بالنسبة إلى الأدوية المضادة للاكتئاب، فإن ظهور تأثيرها، إن كانت ناجعة، قد يتطلب شهرا، ومن الممكن أن تزيد من فرص الانتحار في ذلك الوقت. بينما يعمل العلاج الثلاثي فورا على التخفيض، بشكل مستمر، من حدة الأفكار الانتحارية، حتى لو بعد ليلة واحدة فقط من الحرمان من النوم. وتم تشخيص أنجيلينا لأول مرة باضطراب المزاج ثنائي القطب قبل 30 سنة عندما كانت في أواخر الثلاثينات من عمرها. وأتى هذا التشخيص بعد فترة من التوتر الشديد: فزوجها تعرض للمساءلة في عمله، وكانا قلقين من عدم امتلاك المال الكافي لإعالة نفسيهما وأولادهما، فسقطت في دوامة اكتئاب دام حوالي ثلاث سنوات. وقد أصبح مزاجها متذبذبا منذ ذلك الحين، معكرا في أغلب الأحيان، فهي تتناول ترسانة من الأدوية المضادة للاكتئاب والمحسنة للمزاج والمضادة للقلق، بالإضافة إلى أقراص النوم. وقبيل خضوع أنجيلينا للعلاج، كانت عاجزة عن فعل أي شيء، كما توقفت عن غسل شعرها والاهتمام بنظافتها الشخصية. وكانت كذلك تنظر بتشاؤم إلى المستقبل. وقد أحست بنفسها أكثر حيوية بعد الليلة الأولى من حرمانها من النوم، لكن هذه الحيوية انخفضت بمجرد تعويض أنجيلينا لساعات نومها. ورغم ذلك راودتها رغبة في الذهاب إلى حلاق النساء في الصباح الموالي، كدليل على تحسن مزاجها. في الثالثة صباحا، تم نقل أنجيلينا إلى غرفة مضيئة توحي للشخص الذي يهم بدخولها بأنه منتصف النهار. أضواء شبيهة بأشعة الشمس تنبعث من مناور في السقف ومسلطة على خمسة كراس مرتبة بجانب الحائط. بالطبع يبقى هذا وهما مصطنعا، فما السماء الزرقاء والشمس المشعة إلا بلاستيك ملون وضوء ساطع جدا، لكن مفعولهما يبقى منشطا رغم ذلك. إن الأمر أشبه بالتمدد على كراسي الشمس في منتصف النهار، إلا أن الفرق يكمن في غياب الحرارة داخل الغرفة. عندما تم استجوابها 7 ساعات مضت، كانت تعابير وجه أنجلينا لا تحيل على شيء عند إجابتها عن الأسئلة. إنها الآن الساعة الثالثة صباحا وعشرين دقيقة، أنجلينا تبتسم كما أنها بدأت محادثة مع ليندا جيديس. وعند مطلع النهار، كانت تخبرها عن تاريخ عائلتها الذي بدأت الكتابة عنه، كما دعتها إلى البقاء معها في صقلية. كيف يمكن لشيء بسيط من قبيل البقاء مستيقظا ليلة كاملة أن يحدث تغييرا كهذا؟ شرح الآلية ليس بالأمر الهين لأنه لم يتم بعد الفهم الكامل لطبيعة الاكتئاب أو طريقة عمل النوم، واللذين يتضمن عملهما العديد من مناطق الدماغ. لكن الدراسات الحديثة بدأت بطرح بعض الآراء في هذا الموضوع. ويبدو النشاط الدماغي للأشخاص في حالة اكتئاب مختلفا عن نشاط أدمغة الأشخاص العاديين خلال النوم والاستيقاظ. إذ تقوم الإشارات التي ترسلها الساعة البيولوجية في النهار بمساعدتنا على مقاومة النوم على أن تُستبدل بإشارات تحفزنا على النوم ليلا. وتعمل خلايا الدماغ كذلك في دورات، إذ أنها تصبح نشيطة بشكل متزايد كاستجابة للمحفزات، مع تلاشي هذا النشاط عندما ننام. لكن هذه التقلبات تكون ضعيفة أو غائبة لدى الأشخاص المصابين بالاكتئاب أو اضطراب المزاج ثنائي القطب. ويرتبط الاكتئاب، كذلك، بتغير الإيقاعات اليومية لإفراز الهرمونات ودرجة حرارة الجسم، فكلما زادت شدة المرض زادت حدة الاضطراب. وعلى غرار إشارات النوم، فهذه الإيقاعات تتحكم فيها الساعة البيولوجية أيضا، وهذه الساعة بذاتها مسيرة بواسطة عدد من البروتينات المتفاعلة والمشفرة من طرف "جينات الوقت" بنمط إيقاعي طوال اليوم. وتتحكم هذه الجينات في مئات العمليات الخلوية، وتنسق التوقيت بينها، وكذلك في وقتي النشاط والخمول. وتدق الساعة البيولوجية في كل خلية من جسم الإنسان، بما في ذلك خلايا الدماغ، التي يتم التنسيق فيما بينها من طرف منطقة بالدماغ تسمى نواة التأقلمsuprachiasmatic nucleus ، تستجيب للضوء. ويوضح ستين ستينكريمسون، وهو طبيب نفساني بالمستشفى الجامعي ساهلغرينسكا بغوتنبرغ بالسويد، أطلق سلسلة من التجارب تخص العلاج بالاستيقاظ، أنه عندما يكون شخص ما مكتئبا بشدة، فإن ساعته البيولوجية تميل إلى التوقف، ولا تعطي الاستجابة المعتادة برفع الميلاتونين في المساء، وتحافظ كذلك على مستويات الكورتيزول مرتفعة عوض تخفيضها في المساء والليل. ويرتبط التعافي من الاكتئاب بعودة هذه الايقاعات إلى وضعها الطبيعي. كما يظن بينيديتي أن الاكتئاب هو نتيجة من نتائج توقف الساعة البيولوجية أساسا، وكذا اختلال التوازن الداخلي للدماغ، فعندما يُحرم الإنسان من النوم تعود هذه الدورة إلى نشاطها. ولكن كيف تتم عملية التنشيط هذه؟ هناك احتمال واحد يفيد بأن الأشخاص المصابين بالاكتئاب يحتاجون ضغطا متزايدا يتمثل في حرمانهم من النوم بغرض تحريك نظامهم الخَمول بسرعة كبرى. ويُعتقد أن رغبة الإنسان في النوم تعود إلى الإفرازات المتزايدة للأدينوزين في الدماغ. ويتراكم الأدينوزين على مدار اليوم ليلتصق بمستقبِلات الخلايا العصبية، مما يجعل الإنسان يشعر بالنعاس. فالأدوية التي تحفز عمل هذه المستقبلات يكون لها التأثير نفسه، بينما تجعلنا المواد المنبهة، التي لها تأثير عكسي مثل القهوة، أكثر نشاطا. وبغرض التأكد من تمديد الاستيقاظ المطول للتأثير المشابه لمضادات الاكتئاب من عدمه، قام باحثون بجامعة تافتس بماساشوستس بعزل فئران لها أعراض شبيهة بالاكتئاب، وحقنها بجرعات كبيرة من مركب يحفز عمل مستقبلات الأدينوزين كمحاكاة لما يحدث في حالة الحرمان من النوم عند الإنسان. وقد تحسن أداء الفئران بعد مرور 12 ساعة. ويتمثل ذلك في الجهود المطولة، التي بذلتها هذه الفئران مُحاولةً الهروب عندما أرغموها على السباحة أو عندما علقوها من ذيولها. كما أنه معلوم أن الحرمان من النوم يفعل أشياء أخرى لدماغ الشخص المكتئب. فهو يحدث تغييرات في توازن الناقلات العصبية في المناطق التي تساهم في تنظيم المزاج، ويعيد كذلك نشاط المناطق المسؤولة عن العاطفة في الدماغ إلى حالته العادية، ويقوي كذلك الصلة بين هذه المناطق. فإذا كان العلاج بالاستيقاظ يسرّع تنشيط الساعة البيولوجية في حالة خمول، فإن العلاج بالليثيوم والضوء يساعد في الإطالة من أمد هذا النشاط كما يبدو، حسب ما اكتشفه بينيديتي وطاقمه الطبي. وقد استعمل الليثيوم كمنظم للمزاج سنوات مضت دون أن يدري أحد كيفية عمله، ولكن كل ما يعلمه الأطباء هو أنه يزيد من إنتاج بروتين يسمى Per2 يحرك الساعة الجزيئية داخل الخلايا. في حين أن الضوء الساطع معروف بتغييره لإيقاعات نواة التأقلم، بالإضافة إلى تعزيزه نشاط المناطق المسؤولة عن الأحاسيس في الدماغ بشكل مباشر. وتقول جمعية علم النفس الأمريكية (American Psychological Association) إن العلاج بالضوء له نفس تأثير مقاومة الاكتئاب غير الموسمي الموجود في معظم الأدوية المضادة للاكتئاب. وعلى الرغم من النتائج الواعدة للعلاج بالاستيقاظ على اضطراب المزاج ثنائي القطب، تبقى سرعته في الانتشار في الدول الأخرى محل تساؤل. ويقول دافيد فييل، مستشار الطب النفسي في هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS)، "نستطيع أن نكون متهكمين ونقول إن سبب بطء انتشاره هو عدم إمكانية توفره على براءة اختراع". بالطبع لم تعرض على بينيديتي أبدا تمويلات طبية من أجل النهوض بتجاربه لهذا العلاج. لكنه كان يعول حتى وقت قريب على تمويلات الحكومة عوض ذلك، والتي تكون إمداداتها قليلة في أغلب الأحيان، كما يتم تمويل بحثه الحالي من طرف الاتحاد الأوروبي. وأضاف ساخرا بأنه لو سلك الطريق التقليدية وقبل تمويل الشركات الصناعية لتجربة الأدوية على مرضاه لما كان يعيش في شقة بغرفتي نوم، ولما كان يقود سيارة موديل 1998. ويضيف فييل أن الانحياز إلى الأدوية كحل غيّب هذا العلاج عن عدد كثير من أطباء النفس، وكل ما في الأمر أن العديد من الناس لا يعرفون عنه شيئا. كما يصعب توفير مكان مناسب لحرمان المرضى من النوم أو تعريضهم للضوء الساطع. وبسبب هذا هناك بعض الشكوك عن مدى فعالية هذا العلاج. ويظن جون جيديس، بروفيسور علم النفس بجامعة أكسفورد، أن العلاج بهذه الطريقة مازال لم يُتَبنَّ استعماله بشكل روتيني، على الرغم من تزايد مستخدميه، وأنه لا بد من أدلة كبرى. بالإضافة إلى ذلك، هناك بعض الصعوبات العملية في تطبيق شيء مثل الحرمان من النوم. وعلى الرغم من ذلك، كبر الاهتمام بالعملية التي يقوم عليها هذا العلاج. ويقول جيديس إن الآراء بشأن البنية الحيوية للنوم وكذا الساعة البيولوجية تشكلان أهدافا واعدة لتطوير العلاج. كما أن من شأن استهداف النوم بالعلاج النفسي أن يساعد على علاج الإضرابات العقلية أو حتى تجنبها. ويدرس علماء النفس في المملكة المتحدة والولايات المتحدة والدانمارك حاليا تأثير هذا العلاج على النوع العام من الاكتئاب. إذ يقول فييلو، الذي يعتزم القيام بدراسة جدوى بمستشفى مودسلي بلندن، إن العديد من الدراسات التي تم القيام بها لحد الآن لا تزال غير كافية للغاية، وأنه يتوجب إثبات نجاعة هذا العلاج، وكذلك إمكانية تقيد الناس به. ولحد الساعة، أظهرت الدراسات الموجودة نتائج متباينة. فقد نشر كلوس مارتيني، الذي يبحث عن تأثير الطرق المجردة من الأدوية والعقاقير في علاج الاكتئاب بجامعة كوبنهاغن بالدنمارك، تجربتين يعاين فيهما نتائج الحرمان من النوم، بالإضافة إلى تعريض المرضى للضوء الساطع في الصباح يوميا، وإخضاعهم للنوم في الأوقات الاعتيادية على النوع العام من الاكتئاب. ففي الدراسة الأولى، أُعطي 75 مريضا مضاد الاكتئاب المسمى Duloxetine تزامنا مع علاج الاستيقاظ أو التمارين الرياضية اليومية. وقد أظهر 41 بالمائة من المرضى الذين اتبعوا العلاج بالاستيقاظ انخفاضا في أعراضهم إلى النصف مقارنة بـ13 بالمائة من أولئك الذين كانوا يتبعون التمارين الرياضية اليومية بعد الأسبوع الأول. وبعد الأسبوع التاسع والعشرين، شفيت نسبة 62 بالمائة من المرضى، الذين اتبعوا العلاج بالاستيقاظ مقارنة بـ38 بالمائة من المرضى الذين كانوا يمارسون التمارين الرياضية. وتضمنت الدراسة الثانية، التي قام بها مارتيني، تعريض عدد من المرضى لديهم اكتئاب حاد، ولم يستجيبوا لتأثير الأدوية، للعلاج نفسه، مرفوقا بالأدوية والعلاج النفسي. وبعد أسبوع واحد أظهرت المجموعة التي تخضع للعلاج بالاستيقاظ تحسنا ملحوظا مقارنة بالمجموعة التي كانت تخضع للعلاج العادي، وعلى الرغم من ذلك فقد عوضت المجموعة الثانية تأخرها بعد أسابيع لاحقة. ولم تتم بعدُ مقارنة العلاج بالاستيقاظ مع مضادات الاكتئاب، كما لم تتم مقارنته أمام الضوء الساطع والليثيوم على حدة. لكن على الرغم من فعالية هذا العلاج عند أقلية، يجد العديد من مرضى الاكتئاب وكذا أطباء النفس فكرة العلاج دون عقاقير ملفتة للانتباه. ويقول جوناثان ستيوارت، بروفيسور علم النفس السريري بجامعة كولومبيا بنيويورك، الذي يجري تجربة على علاج الاستيقاظ بمعهد الطب النفسي بنيويورك "على الرغم من كوني أحصل على قوت يومي من بيع حبوب الدواء، فإنه يستهويني القيام بعلاج لا يتضمنها". وعلى عكس بينيديتي، يبقي ستيوارت مرضاه مستيقظين ليلة واحدة فقط، ويقول: "قلة من الناس فقط توافق على البقاء في المستشفى مدة ثلاث ليال، كما أن الأمر يتطلب تكاليف ورعاية كبيرتين". عوض ذلك يقوم ستيوارت باستعمال شيء يسمى نقل مرحلة النوم، ففي اليوم الذي يعقب الحرمان من النوم يذهب المريض للنوم ويستيقظ في وقت محدد. وقد عالج ستيوارت لحد الآن قرابة 20 مريضا بهذه الطريقة، وقد أظهر أغلب المرضى من أصل 12 مريضا الاستجابة في أسبوعهم الأول. ويمكن استخدام هذا العلاج، كذلك، لأغراض وقائية، إذ تشير الدراسات الأخيرة إلى أن المراهقين الذين يجبرهم آباؤهم على الذهاب إلى النوم في أوقات مبكرة معرضون بشكل أقل للاكتئاب والأفكار الانتحارية. وعلى غرار العلاج بالضوء والحرمان من النوم تبقى طريقة عمل هذه الآلية مبهمة، لكن يظن الباحثون أن وجود علاقة وطيدة بين وقت النوم ودورة الضوء والظلام يبقى مهما. لكن نقل مرحلة النوم قد فشل لحد الآن في أن يعمم. ويقر ستيوارت بأن هذا العلاج ليس للجميع، فبالنسبة إلى أولئك الذين نفع معهم العلاج، تعتبر هذه معجزة. فكما أن دواء Prozac لا يجعل كل من يتعاطاه يشعر بالتحسن، فكذلك الأمر بالنسبة إلى هذا العلاج. ويضيف "مشكلتي هي أنه ليست لدي أدنى فكرة مسبقة عن الأشخاص الذين سيساعدهم هذا العلاج". ويستطيع الاكتئاب إصابة أي شخص كيفما كان، لكن هناك أدلة متزايدة تفيد بأن العامل الوراثي من الممكن أن يسبب اضطرابا في عمل الساعة البيولوجية ليجعل بعض الناس أكثر ضعفا. وقد ارتبطت التغيرات العديدة في الساعة البيولوجية باحتمال حدوث اضطرابات المزاج بشكل أكبر. كما يمكن للتوتر أن يفاقم المشكل. فاستجابتنا للتوتر تتم بتدخل هرمون الكورتيزول، الذي يكون تحت سيطرة الساعة البيولوجية، كما أن هذا الهرمون يؤثر، بدوره، على إيقاعات الساعة البيولوجية. لذلك إذا كانت الساعة البيولوجية لشخص ما ضعيفة، فإن ضغط التوتر المتزايد من شأنه أن يضع جهازه العصبي على حافة الانهيار. ومن الممكن تحفيز أعراض الاكتئاب عند الفئران بتعريضها المستمر لمحفز ضار من قبيل الصدمات الكهربائية، التي لا يمكن للفئران تجنبها أو الهروب منها، وتسمى هذه الظاهرة باليأس المكتسب. وأمام هذا اليأس المطول، تستسلم الحيوانات في نهاية المطاف، وتقوم بتصرفات تحيل على الاكتئاب. وعندما قام دافيد ويلش، طبيب نفسي بجامعة كاليفورنيا بسان دييغو، بتحليل أدمغة الفئران، التي ظهرت عندها أعراض الاكتئاب، وجد إيقاعات ساعاتها البيولوجية مضطربة في منطقتين حيويتين داخل نظام المكافأة في أدمغتها. لكن ويلش أظهر، أيضا، أن بإمكان الساعة البيولوجية المضطربة أن تسبب أعراضا شبيهة بالاكتئاب. فعدما أخذ فئرانا بصحة جيدة وتخلص من مورثة أساسية للساعة البيولوجية الموجودة في أدمغتها، كانت هذه الفئران تبدو مكتئبة كالتي كان يدرسها من قبل. ويضيف ويلش "ليس عليها أن تتعلم كيف تصبح يائسة لأنها يائسة بالفعل". وإذا كانت الإيقاعات المضطربة للساعة البيولوجية هي السبب الرئيسي للاكتئاب، فماذا يمكن فعله لوقاية هذه الإيقاعات من الاضطراب بدلا من علاجها؟ هل يمكن تحسين عمل الساعة البيولوجية بغرض تعزيز القدرة النفسية على الصمود عوض علاج أعراض الاكتئاب بعدم النوم؟ الجواب هو نعم، كما يظن مارتيني، الذي يختبر حاليا إمكانية الإبقاء على جدول زمني يومي قد يمنع مرضاه المقيمين والمصابين بالاكتئاب من عودة الأعراض إليهم، بعد تعافيهم ومغادرتهم قسم الطب النفسي. ويضيف مارتيني "من هنا تنبثق المشكلة عادة. ففي اللحظة التي يخرجون فيها من المستشفى يعود اكتئابهم أسوأ مما كان عليه من قبل". بيتر، عامل رعاية يبلغ من العمر 45 سنة من كوبنهاغن، كان يحارب الاكتئاب منذ بداية فترة مراهقته. وعلى غرار أنجيلينا وآخرين مصابين بالاكتئاب، أتته أول نوبة بعد ضغط شديد واضطرابات. فعندما كان يبلغ الثلاث عشرة سنة تركته أخته، التي ربته "نوعا ما"، مع أم مُهمِلة وأب كان يعاني من اكتئاب شديد. وبعد فترة وجيزة، فارق والده الحياة بسبب السرطان، وشكلت هذه صدمة أخرى عقب إعلان تشخيص إصابته قبل أسبوع فقط من وفاته. وقد دخل بيتر المستشفى ست مرات بسبب الاكتئاب، بما فيها مرة لمدة شهر، في أبريل الماضي. ويقول إن "دخول المستشفى يبعث، من ناحية، على الراحة"، لكنه، من ناحية أخرى، يحس بالذنب للتأثير الذي يحدثه هذا على ولديه، في سني السابعة والتاسعة. ويضيف "أخبرني ابني الأصغر بأنه كان يبكي كل ليلة عندما كنت في المستشفى، لأنني لم أكن قربه لأحضنه". ولذلك عندما أخبر مارتيني المريض بيتر عن الدراسة التي بدأ يستقطب إليها المرضى للتو، وافق هذا الأخير بسرعة على المشاركة فيها. وتقوم فكرة العلاج، الذي أُطلق عليه اسم "تقوية الساعة البيولوجية"، على تقوية إيقاعات الساعة البيولوجية عبر تشجيع النظام عند النوم وعند الاستيقاظ والأكل وأوقات ممارسة التمارين الرياضية وعبر حث المرضى على تمضية مزيد من الوقت خارج البيت متعرضين لضوء النهار. وبعد أربعة أسابيع من مغادرته جناح الطب النفسي في شهر ماي، ارتدى بيتر جهازا يتعقب نشاطه ونومه، كما كان يملأ الاستبيانات التي تخبر عن مزاجه. فإذا كان هناك أي تغير في نشاطه اليومي، يتلقى بيتر اتصالا هاتفيا لمعرفة ما قد حدث معه. وتقول ليندا جيديس: عندما كنت ألتقي بيتر كنا نلقي مزحات حول الخطوط السوداء التي تحيط بعينيه. وكما يبدو فإن بيتر كان يأخذ نصيحة ليندا على محمل الجد. كما أنه يقول ضاحكا: أنا أخرج إلى المنتزه عندما يكون الجو جميلا، كما أنني آخذ أولادي إلى الشاطئ للمشي، وبعض المرات إلى الملعب لأنني بذلك سأستفيد من ضوء النهار الذي يحسن مزاجي. ليست هذه التغييرات فقط التي وقعت له، فهو يستيقظ الآن كل يوم في السادسة صباحا ليساعد زوجته في شؤون طفليهما. وعلى الرغم من عدم إحساسه بالجوع فهو يتناول فطوره، الذي عادة ما يتكون من اليوغورت والمويسلي. كما أنه لا يأخذ القيلولة، ويحاول ما أمكن أن يكون في فراشه في الساعة العاشرة مساء. فإذا استيقظ ليلا يمارس التقنية المسماة بالتركيز الكامل للذهن، والتي تعلمها عند إقامته في المستشفى. ويضع مارتيني بيانات بيتر على حاسوبه، فهي تسمح بالتعرف على التقدم الذي أحرزه هذا الأخير في النوم والاستيقاظ مبكرا، بالإضافة إلى التحسن الملحوظ في جودة نومه، التي تخبر عنها حالة مزاجه. وعند مغادرته المستشفى كان تقييم حالة مزاجه يبلغ 10/6، لكن بعد أسبوعين ارتفع التقييم إلى 8 أو 10/9 لا محيد عنهما، وفي بعض الأحيان كان هذا التقييم يرتفع إلى 10/10. وفي بداية شهر يونيو، عاد بيتر إلى عمله في دار الرعاية، حيث يعمل 35 ساعة أسبوعيا. ويقول: "لقد ساعدني بالفعل أن يكون لدي روتين اعتيادي يومي". ولحد الآن استقطب مارتيني 20 مريضا لتجربته، ويبقى هدفه هو بلوغ 120 شخصا. لذلك من السابق لأوانه معرفة عدد المرضى الذين سيستجيبون بنفس طريقة بيتر، أو حتى إن كانت صحتهم النفسية ستتحسن أم لا. على الرغم من ذلك، هناك أدلة متزايدة على أن الحفاظ على برنامج جيد للنوم يمكن أن يساعد في الإبقاء على عافية الذهن. وحسب دراسة تم نشرها في مجلة "ذا لانسيت سايكياتري"، في شتنبر 2017، تم القيام بأكبر تجربة عشوائية للطب النفسي لحد الساعة، وأظهرت خلالها أعراض مصابين بالأرق انخفاضا متواصلا في أعراض جنون العظمة والهلوسات كنتيجة لخضوعهم للعلاج السلوكي المعرفي لمدة عشرة أسابيع من أجل معالجة مشاكل النوم. كما أنهم أحسوا بتحسن ملحوظ فيما يخص أعراض الاكتئاب والقلق، كما قلت كوابيسهم، وتحسنت حالتهم النفسية، وأصبحوا أقل عرضة لنوبات الاكتئاب أو القلق خلال التجربة. تخيل لو أن هناك نظاما علاجيا بسيطا يعتمد على النوم وضوء النهار بإمكانه التخفيض من حدة الاكتئاب ويساعد الناس على التعافي منه بسرعة أكبر. لن يُحسّن فقط جودة حياة الناس، بل سيُخفّض كذلك التكاليف المالية للأنظمة الصحية. وفيما يخص العلاج بالاستيقاظ، يحذر بينيديتي بأنه شيء لا يجدر بالأشخاص تجربته بأنفسهم في البيت، خصوصا بالنسبة إلى أولئك المصابين باضطراب المزاج ثنائي القطب، فهناك احتمال أن تتطور حالتهم إلى الجنون، على الرغم من أن ما عاينه خلال تجاربه يفيد بأن العلاج بالأدوية والعقاقير يبقى أكثر خطرا من الحرمان من النوم، كما أن بقاء الشخص مستيقظا حتى الصباح الموالي أمر صعب قد يدفع المرضى إلى المرور مجددا بنوبة اكتئاب أو حالة تختلط فيها المشاعر، الشيء الذي قد يشكل خطرا عليهم. ويضيف بينيديتي بأنه يستحسن أن يكون طبيب ما موجودا هناك وقت حدوث هذه النوبات ليحدثه المريض عنها لأنها تسبق محاولات الانتحار. وبعد أسبوع من قضاء الليلة مستيقظة مع أنجلينا، اتصلت ليندا جيديس ببينيديتي لرصد تقدمها، فأخبرها بأنه بعد الليلة الثالثة التي حرمت فيها من النوم أظهرت تعافيا تاما من أعراضها وعادت إلى صقلية مع زوجها، وقد كانا في خضم إحياء الذكرى الخمسين لزواجهما ذاك الأسبوع. وعندما سُئلتْ عن إمكانية ملاحظة زوجها لأي تغيير في أعراضها، أجابت بأنها تأمل لو يلحظ التغيير الذي طرأ على مظهرها الخارجي. ساعد في النشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك المصدر: منتديات حبة البركة - من قسم: تجارب علاجية مع أمراض مختلفة |
||||||||||||||
|
|
|