![]() |
باب فضل الحمد والشكر
الحمد أعم من الشكر، وقيل: الحمد باللسان قولًا، وبالأركان فعلًا. قَالَ الله تَعَالَى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152]. قال ابن عباس: اذكروني بطاعتي، أذكركم بمعونتي. وعن زيد بن أسلم: أن موسى عليه السلام قال: يَا رب كيف أشكرك؟ قال له ربه: تذكرني ولا تنساني، فإذا ذكرتني فقد شكرتني، وإذا نسيتني فقد كفرتني. وعن ابن عباس في قوله: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}، قال: ذكر الله إيَّاكم أكبر من ذكركم إياه. وفي الحديث الصحيح يقول الله تعالى: «من ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خيرٍ منهم». وقال تَعَالَى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7]. أي: لئن شكرتم نعمتي، وأَطَعتموني لأزيدنكم في النعمة. وقال تَعَالَى: {وَقُلِ الحَمْدُ للهِ} [الإسراء: 111]. وقال {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ} [يونس: 10]. عن كثير من السلف: أن أهل الجنة كلما اشتهوا شيئًا قالوا: سبحانك اللَّهُمَّ، فيأتيهم الملك بما يشتهون، ويسلِّم عليهم، فيردُّون عليه. وذلك قوله تعالى: {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ} [يونس: 10]، فإذا أكلوا، وحمدوا الله. وذلك في قوله تعالى:{وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. وقال تعالى: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ} [الأنعام: 1]. وقال تعالى: {وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الزمر: 75]. قال ابن عباس: افتتح الله الخلق بالحمد، وختمه بالحمد. وقال تعالى: {وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 70]. 1393- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أُتِيَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهمَا فَأَخَذَ اللَّبَنَ. فَقَالَ جِبريل: الحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلفِطْرَةِ لَوْ أخَذْتَ الخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ. رواه مسلم. قال النووي: فسروا الفطرة هنا، بالإسلام والاستقامة، ومعناه- والله أعلم: اخترت علامة للإسلام والاستقامة، وجعل اللَّبَن علامة ذلك، لكونه سهلًا طيبًا طاهرًا سائغًا للشاربين، سليم العاقبة. والخمر أم الخبائث، جالبة لأنواع من الشر، حالًا ومآلًا. 1394- وعنه: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لاَ يُبْدأُ فِيهِ بِالحَمْدُ للهِ فَهُوَ أَقْطَعُ». حديث حسن، رواه أَبُو داود وغيره. قوله: «كل أمر ذي بال»، أي: ذي شأن يُهتم به شرعًا. «لا يبدأ فيه بالحمد لله فهوأقطع»، أي: ناقص البركة. 1395- وعن أَبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا مَاتَ وَلَدُ العَبْدِ قَالَ اللهُ تَعَالَى لِمَلائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدي؟ فَيقولون: نَعَمْ، فيقول: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤادِهِ؟ فيقولون: نَعَمْ، فيقول: ماذا قَالَ عَبْدِي؟ فَيقولون: حَمدَكَ وَاسْتَرْجَعَ، فيقُولُ اللهُ تَعَالَى: ابْنُوا لِعَبْدي بَيتًا في الجَنَّةِ، وَسَمُّوهُ بَيْتَ الحَمْدِ». رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ). الولد هنا شامل للبالغ، وغيره، والذكر، والأنثى. وسمي ثمرةً لكونه بمنزلة خلاصة الخلاصة. وفيه: كمال فضل الصبر على فقد الصفيّ. كما في حديث الآخر: «ما لعبدي المؤمن إذا قبضت صفيّه من الدنيا فاحْتَسَبَ إلا الجنة». 1396- وعن أنس رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله لَيرْضَى عَنِ العَبْدِ يَأكُلُ الأَكْلَةَ، فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا، وَيَشْرَبُ الشَّرْبَة، فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا». رواه مسلم. في هذا الحديث: بيان فضل الحمد عند الطعام والشراب، وهذا من كرم الله تعالى، فإنه الذي تفضَّل عليك بالرزق، ورضي عنك بالحمد. |
الساعة الآن 05:56 AM. |
Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2025