منتديات حبة البركة

منتديات حبة البركة (https://www.seedoil.net/vb/index.php)
-   ثقاقة عامة وشعر (https://www.seedoil.net/vb/forumdisplay.php?f=17)
-   -   لا سبيل لإصلاح القلوب (https://www.seedoil.net/vb/showthread.php?t=54934)

مجموعة انسان 10-16-2023 02:43 PM

لا سبيل لإصلاح القلوب
 
_هناك سيدة بالخارج يا دكتور لكنها مترددة في الدخول.
= سأخرج إليها أنا، نحن بشر قبل أن نكون أطباء.
كانت تجلس في ردهة العيادة، انصرف جميع الزائرين، وفي ليل فبراير البارد، تكومت على نفسها مرتعشة.
_ من الصباح وهي هنا يا سيدي، وكلما حان دورها في الدخول، تراجعت وسمحت لمن يليها في الترتيب بالدخول.
( خلع الطبيب معطفه الرمادي الثقيل، ألقاه عليها برفق، الساعة في خلاء الليل تنبض عقاربها بصخب)
نظرت إليه بعينين مذعورتين كطفلٍ تائه، رآها، رغم الوشاح الكستنائي الذي غطى وجهها.
_ لمَ الخوف سيدتي؟!
= اسمح لي بالانصراف سيدي.
_ لو كنت عاملاً في شباك تذاكر المترو، لسمحت لكِ بالانصراف، لكنني طبيب، ربما لا تجدين البديل في مكان آخر، الإنسان للإنسان.
= لا أرغب بأي شيء.
_ يبدو أنك جائعة، وأنا كذلك.
( طلب من الممرضة الإتصال بأحد المطاعم، وأحضر طعاماً)
تناولوا جميعاً الطعام، لكنها كانت تأكل كعصفور يهاب الصياد.
أحضر لها مشروباً دافئاً.
_ يمكنك التحدث معي، سنجد حلاً لمشكلتك مهما كانت.
= صمتت وقتاً، ثم نزعت الوشاح عن وجهها.
( حروق قديمة شوهت ملامحها، وبكاء يسري كالماء في الأودية)
= اسمي صفية، ابنتي تخاف مني يا سيدي، تهرب مني، لا تقبلني، لا تهمني ملامحي، أريد احتضان ابنتي، منذ حدث لي ذلك وهي تراني شبحاً، وحشاً، مسخاً مفزعاً، كما أن زوجي سافر إلى إحدى الدول للعمل بها، قائلاِ أنه يؤمن مستقبلنا، لكنه يهرب.
أنا أعذرهما أيها الطبيب، من منا يرغب باحتضان القبح ومعايشته!!
أنا أهرب من المرايا، أهرب مني، لكن تهزمني ابنتي، أشتاق لرائحتها، ترددت كثيرا قبل المجيء إليك، قالوا أنك ماهر في التجميل ولديك أفكار جديدة، أتعلم جئت هنا خمس عشرة مرة قبل ذلك ولم أجرؤ على الدخول، ظننت أنك ستفزع أيضاً من قبحي.
_ وأين القبح سيدتي؟!
ملامحك ستعود كما كانت، فقط التزمي معي بالصبر، لي طرقي في ذلك، لكن لا تسمحي لقلبك الرائع بأن يتغير مهما أوجعه البشر، عليكِ التذكر، يمكننا إصلاح الملامح ويستحيل علينا إصلاح القلوب. سنتابع الزيارات، يمكن تسجيل رقم هاتفي لأي استفسار أو مساعدة.
( بعد نهاية الزيارة، نزلت بنفسٍ تجرعت طعم الأمل، شغف نحو حياة ترغبها، تحن إليها)
في الحافلة، جالسة في المقعد الأخير، هاربة من الناس، تتحسس معطف الطبيب المشبع بعطرٍ خشبي كغابات الأبنوس، يضج بزخم رجولي وقور.
جلست جوارها عجوز تنتفض من البرد، فخلعت عنها معطف الطبيب وألبستها إياه، بعد دقائق، ألقت العجوز رأسها على كتفها، والحافلة تتهادى في الطرقات المتعرجة الممطرة.
قالت العجوز:
لا أتذكر شيء، أتذكر الماضي البعيد فقط، كان لي ابن وبيت في الريف.
تحادثا لوقتٍ كبير.
ثم قالت العجوز:
صوتك جميل يا بنيتي، روحك تفيض بالجمال، أتعلمين أن تلك الرواية التي تحملينها " مرتفعات وذرينغ" قرأتها منذ سنوات، أشفقت على الفتى اليتيم الذي غيرته قسوة الناس وأصبح أشد قسوة منهم.
تنهدت العجوز قائلة:
لا سبيل لإصلاح القلوب إن تشوهت.
انتفضت صفية، تذكرت كلام الطبيب.
سألتها صفية: أين بيتك يا أمي؟!
= لا أعلم يا ابنتي، رائحة هذا المعطف دافئة، أنا لا أتذكر اسمي، معي ورقة بها عنواني.
قرأت صفية الورقة:
مرحباً، السيدة التي تحمل تلك الورقة تعاني فقدان الذاكرة، برجاء من يجدها الإتصال برقم ابنها ..
ومكتوب العنوان أسفل الورقة.
قامت صفية بكتابة الرقم، انخلع قلبها من بين أضلعها، لقد كان رقم الطبيب المسجل لديها.
نظرت للسماء بقلب خاشع، وأبلغت الطبيب بمكان أمه، ثم قالت لنفسها:

البذرة التي تلقيها، تحصدها شجرة.



راقت


الساعة الآن 11:58 PM.

Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2024